في أسوأ تصعيد منذ توقيع إتفاق وقف الأعمال العدائية قبل عام، بتنفيذ إسرائيل عملية إغتيال في قلب الضاحية الجنوبية مستهدفة رئيس الاركان في حزب الله هيثم علي الطبطبائي وأربعة من عناصر الحزب، يعود الدور المصري إلى الواجهة كخيار لمحاولة إعادة تثبيت خطوط التهدئة في لبنان. وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، الذي حضر قمة العشرين، وعقد خلالها سلسلة لقاءات مع وزراء ومسؤولين غربيين لاسيما فرنسيين وأميركيين، حيث جرى تقويم الوضع اللبناني والخطر المتصاعد على الجبهة الجنوبية، يصل إلى بيروت في زيارة تستمر يومين كاملين بحسب ما كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"المدن"، خلافاً للزيارات القصيرة المعتادة، ما يعكس حجم المخاوف الاقليمية والدولية، و"حرص القاهرة على تقديم مقاربة متدرجة وفعّالة". عبد العاطي سيحمل معه خلاصة الاتصالات الاقليمية والدولية، مقاربة تدريجية «خطوة بخطوة» تهدف إلى:
• خفض وتيرة التصعيد الإسرائيلي ومنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة.
• تعزيز دور الدولة اللبنانية في فرض سيادتها على أراضيها.
• تقديم صيغة متوازنة تضمن لكل طرف جزءاً من مطالبه.
خلفية التصعيد الإسرائيلي: تكثيف الاستهداف
الزيارة المصرية تأتي بعد أيام قليلة من الغارة الإسرائيلية التي إستهدفت قلب الضاحية الجنوبية. مصادر سياسية مطلعة تقول إن تصعيد إسرائيل لم يقتصر على نوعية الضربات، بل إرتفع مستوى الأهداف ليشمل قيادات مركزية، وهو ما يشير إلى أن تل أبيب لا تتعامل مع أي مبادرة سياسية إلا بوصفها فرصة للضغط العسكري.
هذا التطور يجعل الدور المصري أكثر حساسية، إذ إن الهدف الأساسي هو تجنب الانزلاق إلى مواجهة شاملة قبل أن يتجاوز الوضع نقطة اللاعودة. فالخطر بحسب المصادر الديبلوماسية أن وتيرة التصعيد تتزايد وتأخذ إتجاهات ومواقع مختلفة وتعود إلى قلب الضاحية الجنوبية وترفع مستوى الاستهدافات. كل هذا ينذر بالأسوأ إذا لم تعالج الأمور.
التحرك المصري
التحرك المصري لم يقتصر على الاتصالات الغربية، بل شمل تواصلاً مكثفاً مع السعودية وإيران، خاصة وأن هناك إدراكاً، أكان غربياً أو إقليمياً من أن إستمرار التصعيد لا يصب في مصلحة أي طرف. تؤكد المصادر أن مصر لعبت خلال الأسابيع الماضية دورًا محوريًا في محاولة إعادة تثبيت خطوط التهدئة في لبنان، عبر تحرك دبلوماسي واسع ومتنوع.
هذا التنسيق بين القوى الإقليمية والدولية يعكس قلقا من أن لبنان دخل مرحلة حرجة لم تعد فيها الأطراف الإقليمية قادرة أو راغبة بترك الأمور تتدحرج وحدها.
المصادر الدبلوماسية تؤكد أن التحرك المصري يهدف إلى تعزيز الدور اللبناني وليس تجاوزه. " إذ على الجميع أن يعلم ولاسيما في لبنان أن إستمرار الوضع على ما هو عليه ليس في مصلحة أحد، وعلى المعنيين أن يتعلموا من دروس الماضي ومن الخسائر التي حصلت." لذا خلال الزيارة، سيُطلب من بيروت:
تقديم رؤية واضحة لكيفية فرض سيادتها على أراضيها.
إظهار إستعداد سياسي وأمني لضبط الميدان.
بلورة صيغة متوازنة لمسألة حصرية السلاح، كشرط أساسي لأي نقاش دولي. "فحصر السلاح بيد الدولة ضروري وحتمي ولا جدال حوله. ومصر تعمل على صيغة من أجل إيجاد الصيغة التي تؤمن لكل طرف شيئا من تطلعاته:"
إسرائيل تبحث عن أمنها.
لبنان يريد تثبيت حصرية السلاح بيد الدولة ضمن مسار تدريجي.
إذا بذلت الجهود اللازمة تقول المصادر، يمكن الوصول إلى شيء ما، أقله في المرحلة الاولى.
والمعادلة المصرية، كما تُطرح اليوم، تقوم على السير بخطوات صغيرة لكنها ثابتة، لأن البدائل الأخرى تعني إنهيار الاتفاق.
وبحسب المعلومات فإن وزير الخارجية المصري يفترض أن يعقد لقاءاً مع مسؤولين في حزب الله، على الرغم من أن موقف الحزب معروف ويكرره لناحية رفضه البحث في تسليم السلاح شمال الليطاني "وأن سقف النقاش الذي يقبل به هو البحث في موضوع السلاح ضمن إستراتيجية دفاعية وطنية، تذكر مصادر مطلعة على موقف الحزب.\
إجتماع الخماسية
في السياق ذاته، كشفت المصادر الديبلوماسية أن الأفكار المصرية التي ستكون نتيجة ما إستمع إليه وزير الخارجية المصري من الدول المعنية، وما سيستمع إليه من الدولة اللبنانية، وسيقدّم بما يتناسب مع المرحلة وتحدياتها، ستكون جزءا من مداولات إجتماع ستعقده الخماسية قريبًا بعد تسلم السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى لمهامه في بيروت، حيث ستفرض التطورات الأخيرة ضرورة هذا الاجتماع.
الموقف الرئاسي
في المقابل، أكدت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون لـ"المدن" أن الرئيس ينظر بقلق بالغ إلى الوضع الراهن، خصوصاً أن كل المبادرات لإعادة فتح قنوات التفاوض مع إسرائيل عبر الأطراف الدولية أو عبر الأمم المتحدة، قوبلت من الجانب الإسرائيلي بمزيد من الاستهدافات النوعية. والرئيس عون يعتزم إبلاغ العواصم المعنية أن لبنان ملتزم بالكامل بروحية إتفاق وقف الاعمال العدائية، وإسرائيل هي الطرف الذي يخرق الاتفاق. كما أن إستمرار التصعيد سيؤدي إلى إنهيار الاتفاق وفتح مرحلة صعبة على لبنان والمنطقة. المصادر كشفت أن عون سيشدّد على ضرورة التحرك الدولي لدعم الدولة اللبنانية في ضبط الميدان، خاصة أن الوضع على الأرض لا يمكن السيطرة عليه بمعزل عن دور الأطراف الكبرى.
على مفترق خطر
بالنسبة إلى مصر، فإن لبنان يواجه لحظة مفصلية بين التهدئة والانفجار، تجمع بين:
• تصعيد إسرائيلي بلا سقف وعودة الاستهداف العميق داخل الضاحية.
• غياب أي تجاوب مع المبادرات السياسية، بما فيها الرئاسية.
• ضبابية حول مستقبل الجبهة الجنوبية وإمكانية انفجار الوضع.
وبالتالي، فإن المعادلة واضحة: نجاح المرحلة المقبلة يعتمد على قدرة الدولة اللبنانية على فرض سيادتها وضبط الميدان، مع دعم التحرك المصري وتضافر جهود الأطراف الإقليمية والدولية لتفادي الانزلاق إلى مواجهة شاملة، والالتزام بخطوات تدريجية تحفظ الحد الأدنى من مصالح كل الأطراف.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأبرز: هل ستتمكن الوساطة المصرية والدور اللبناني من لجم التصعيد قبل أن تتجاوز الأمور نقطة اللاعودة، أم أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة تختلف عن كل ما سبق؟
