منير الربيع -
لم تكن الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال القيادي العسكري في حزب الله هيئم الطبطبائي، موجهة فقط إلى الحزب، أو أحد أعضاء المجلس الجهادي فيه. هذا الاستهداف له أكثر من معنى وهدف، وإذا كان اغتيال إسرائيل للمسؤول العسكري في حزب الله فؤاد شكر العام الماضي هو رسالة مباشرة إلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، فإن استهداف الطبطبائي هو ضربة في قلب بيروت لتُسمع أصداؤها في طهران. كان نصرالله وفق توصيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو محور المحور. اليوم يمثل لبنان بالنسبة إلى إسرائيل "الجبهة الإيرانية المتقدمة".
في المواقف، لم يترك حزب الله وحيداً، فسريعاً جاءت ردود الفعل الإيرانية، من مستشار الأمن القومي علي لاريجاني، الذي اعتبر أن "رئيس الحكومة الاسرائيلية ما زال يواصل مغامراته إلى أن يدرك الجميع أنه ما عاد بقي طريق إلا مواجهة هذا الكيان المزيف". بعده توالت المواقف من مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، وصولاً إلى السفير الإيراني في بيروت، الذي اعتبر أن المقاومة مستمرة بعملها وأن من الممكن حصول جولة قتال جديدة.
المفاوضات والتسويات مستهدفة
ما تستهدفه إسرائيل أيضاً، هو كل المسار التفاوضي الذي حاول لبنان السعي إلى الدخول فيه. في موازاة الضربة، تلقى لبنان رسائل ديبلوماسية جديدة مفادها أن ما يتقدم به لا يبدو كافياً، وعليه تقديم المزيد كي تقتنع إسرائيل بالدخول في المفاوضات. وللمفارقة أنه مع كل خطوة تفاوضية قدمت طوال الحرب الإسرائيلية المستمرة على المنطقة، سواء في غزة، أو لبنان، كانت تل أبيب ترد بالتصعيد. منذ اغتيال اسماعيل هنية في طهران، إلى اغتيال السيد نصرلله، في ظل البحث عن هدنة لواحد وعشرين يوماً حينها، وبعدها استكمال كل مسار التصعيد للخروج من اتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب الخروج من كل ما أرساه القرار 1701 الذي لا يزال لبنان يطالب بتطبيقه، بينما إسرائيل تجاوزته بشكل كامل، وتريد فرض قواعد جديدة. كذلك كانت محاولة نتنياهو اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خليل الحية، وهو الذي كان يعقد اجتماعاً للبحث في مفاوضات وقف الحرب على غزة.
فصل الحزب عن بيئته.. والفصل بين اللبنانيين
بذلك، قضت إسرائيل على أي فرصة تفاوضية يطرحها لبنان. إما لإعادة فرض شروط جديدة، أو لأنها اتخذت قرارها الواضح بتوسيع الحرب التي لم يعرف توقيتها بعد، والتي تريد أن تؤسس لما ترغب في فرضه على لبنان. لكن أيضاً، ما تريد اسرائيل استهدافه أيضاً، هو زرع المزيد من الرعب والخوف في صفوف بيئة حزب الله، سواء في الضاحية أو في الجنوب أو في البقاع، على وقع التسريبات المتكررة حول الاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة، ما يعني تهجيرهم مجدداً. تريد إسرائيل تكريس انفصال تام بين حزب الله وبيئته، من خلال ضرب الحواضن التي تعتبرها البيئة آمنة كالضاحية. كما أنها تريد تكريس انقسام لبناني على قاعدة التمييز بين المناطق وبين اللبنانيين، لتقول إن من لم يختر الحرب بإمكانه مواصلة حياته بشكل طبيعي، إلى حد التطبيع مع عمليات القصف والاستهداف والاغتيال. في مقابل قولها لبيئة الحزب إنها في حالة استهداف دائم.
هواجس الاغتيال... في إيران
لا تقف الضربة عند هذا الحدّ، بل تتجاوزه في إطار تمهيد إسرائيلي لاستئناف عمليات الاغتيال التي تطال مستوى رفيعاً من القيادات في الحزب، وهي تريد لهذه الضربات أن تصيب إيران لا الحزب وحده. لا سيما في ضوء المواقف المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سعي إيران للوصول إلى اتفاق مع واشنطن، وهو ما لا تريده إسرائيل. ففي طهران تتزايد التقديرات باحتمال تجدد المواجهة مع إسرائيل. طبعاً، هناك رسائل يتم تبادلها بين الإيرانيين والأميركيين، ولا بد من انتظار مضمونها ونتائجها، لكن الواضح أن نتنياهو لن يقبل بأي مسار تفاوضي، ومن الممكن أن يلجأ إلى تنفيذ عمليات أمنية أو عسكرية أو عمليات اغتيال داخل إيران لإفشال مسار التفاوض.
تزامن عمليات في بيروت وطهران
استهداف الطبطبائي هو ضرب لأحد أركان منظومة القيادة والسيطرة في الحزب. بعدها، أعلن الإسرائيليون عن مناورات عسكرية جديدة على الحدود مع لبنان. وهو ما يندرج في سياق فتح مسار التصعيد الإسرائيلي المتدرج، للوصول إلى لحظة المواجهة الأوسع. وربما يسعى الإسرائيليون إلى استدراج حزب الله لتنفيذ عملية ردّ للدخول في معركة أوسع.
هذا الاستهداف، يتقاطع مع معلومات يجري التداول بها داخل إيران حول التخوف من لجوء إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية موسعة ومتزامنة تستهدف طهران وبيروت. بعض المسؤولين اللبنانيين سمعوا من جهات ديبلوماسية بأن احتمالات التصعيد الإيراني الإسرائيلي تتزايد، وأنه لا بد للبنان أن يسعى إلى تحييد نفسه عن هذه المواجهة. وهذا ما تضغط في اتجاهه واشنطن أيضاً من خلال مطالبتها بسحب سلاح حزب الله وتحييده عن أي معركة مقبلة.
