منير الربيع -
بلغت الضغوط مرحلتها القصوى. وصلت إلى مكان قد تكون العودة منها صعبة جداً. إلغاء زيارة قائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية ليس بالأمر العابر؛ ولا يتصل فقط بمجرد بيان صادر عن الجيش يُحمّل فيه إسرائيل مسؤولية عدم استكمال انتشاره في الجنوب، أو بوصفها في البيان بـِ "العدو الإسرائيلي"، ربما كان البيان النقطة التي فاضت بها الكأس بالنسبة إلى الأميركيين. وبالمناسبة، إنَّ الضغوط لا تقتصر على الجانب العسكري فقط؛ بل تشمل الجوانب السياسية، المالية والاقتصادية. في موازاة إلغاء المواعيد والزيارة، برزت دعوات لدى شخصيات أميركية وأخرى من أصل لبناني تطالب الدولة اللبنانية بإقالة قائد الجيش، وبتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً القرار 1559، إضافة إلى مكافحة اقتصاد الكاش، وإنجاز الإصلاحات المالية والمصرفية المطلوبة.
البداية باجتماع أورتاغوس
الدرجة المتقدمة من الضغوط تحتّم الإضاءة على الكثير مما كان مغيباً، وتفرض إبلاغ اللبنانيين بحقيقة الضغوط والشروط المطلوبة؛ إذ لم يعد هناك مجال لتداول الملفات باللغة الديبلوماسية أو الساعية إلى ترميم اللغة أو تجميل المضمون. تعود القصة إلى أشهر مضت، وبالتحديد إلى الزيارة الأولى التي أجرتها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت حيث كان لقاؤها سلبياً مع قائد الجيش يومها، وقد اختلفت معه على جملة أمور، أولاً بسبب وصفه إسرائيل بالعدو. ثانياً، بسبب إشارته إلى تصرفات المستوطنين ومطامعهم بجنوب لبنان. وثالثاً بسبب التباين في وجهات النظر والمقاربات المتعلقة بكيفية تطبيق حصر السلاح بيد الدولة وسحب سلاح حزب الله. بعد ذلك الاجتماع بدأت تظهر لغة على نحو خافت تشير إلى إقالة قائد الجيش.
مأزق الـ650 موقعاً
تواصلت الضغوط والحملات على المؤسسة العسكرية، علماً أن أجواء متناقضة كانت تُسرَّب بعد اجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الميكانيزم عبر الإشادة بالعمل الذي يقوم به الجيش اللبناني، لتلاقيها تسريبات أخرى مفادها أنه على الرغم من الخطوات التي تتخذ، ثمة حاجة إلى المزيد من الخطوات وتسريعها في سحب السلاح. ومؤخراً، أبرز الإسرائيليون مطالب جديدة؛ إذ حددوا 650 موقعاً جديداً في جنوب نهر الليطاني، وطالبوا الجيش اللبناني بمداهمتها وتفكيك الأسلحة فيها. وبعضها يقع في أملاك خاصة ومناطق سكنية. عند ذاك، قدم الجيش رؤيته المتعلقة باحتواء السلاح وعدم المداهمة لسحبه، عبر تشديد الإجراءات ومنع التهريب ونقل الأسلحة، لكن ذلك لم يرضِ الأميركيين ولا الإسرائيليين.
أقلّ من 50%
في التقويمات الديبلوماسية والدولية أيضاً، يختلف ما يُتداوَل علنياً في لبنان عما يُحكى في الكواليس؛ إذ إن الكثير من المسؤولين الديبلوماسيين والدوليين، يشيرون إلى أن ما أنجز حتى الآن هو أقل من 50 في المئة جنوب الليطاني، بخلاف الكلام العلني عن إنجاز 80 أو 90 في المئة، وهذا ما يندرج في خانة زيادة الضغط على لبنان، خصوصاً أن المهلة التي لحظتها خطة الجيش تتعلق بإنجاز عملية سحب السلاح في جنوب الليطاني خلال نهاية السنة الحالية، ولكن بعد مطالبة الإسرائيليين بمداهمة الأملاك الخاصة والمنازل والإشارة إلى وجود 650 موقعاً يجب مداهمتها، فإن ذلك سيصعب المهمة، وسيحتاج إلى المزيد من الوقت.
قرار على مستوىً عالٍ أميركي ودولي
بمعزل عن كل هذه التفاصيل، إلا أن الأمر يتصل بقرار على مستوىً عالٍ أميركياً ودولياً، وهو لا ينفصل عن مهلة الستين يوماً التي وضعها الأميركيون أمام اللبنانيين لإنجاز الإصلاحات المطلوبة، وتحقيق التقدم في مسار سحب السلاح ومكافحة اقتصاد الكاش. فإذا أظهر لبنان جدية في ذلك يمكن عند ذاك إعادة النظر في المهلة وتمديدها، أما إذا لم يتحقق التقدم المطلوب، فإن المزيد من الضغوط ستمارس، وصولاً إلى وقف كل أشكال الدعم والمساعدة، وربما إطلاق يد إسرائيل في توجيه المزيد من العمليات العسكرية، علماً أن الأميركيين كانوا يحاولون منع الإسرائيليين من تنفيذ عملية عسكرية واسعة مقابل لجوئهم إلى رفع نسبة الضغط السياسي والمالي والاقتصادي.
اللائحة السوداء تنتظر
بالنسبة إلى الأميركيين هناك شروط مطلوب من لبنان أن يلتزم بها، أهمها إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، ويصل الأمر إلى حدود منع اللبنانيين من وصف إسرائيل بالعدو، إضافة إلى تفكيك البنية العسكرية والمالية والمؤسساتية لحزب الله، وإنجاز الإصلاحات لأنهم يعتبرون أن كل المنظومة المالية والمصرفية على نحوٍ أو آخر تفيد الحزب أو حلفاءه، ويعتبرون أن هناك تقصيراً لا يزال قائماً لدى الدولة اللبنانية في هذا المجال، وعليه، يضعون لبنان أمام خيار الالتزام بكل هذه الشروط وتطبيقها، أو أمام خيار اللجوء إلى إدراجه على اللائحة السوداء مع ما يعنيه ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية تؤسس لانفجار شعبي جديد.
