HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

الطعن بهيئة الاتصالات يعرّي الدولة: حصص الطوائف أم الكفاءة؟ (المدن)

13
NOVEMBER
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

في نهاية الأسبوع الماضي، سجّل وسيم منصور، وهو خبير اتصالات شغل سابقًا منصب المدير العام لشركة تاتش، سابقة طعن في سجّل الدولة اللبنانية الحافل بالمحسوبيّات. فللمرّة الأولى في تاريخ المحاصصات التي لفّت التعيينات في المراكز العامة منذ عقود طويلة، ولا تزال، يطعن أحدهم أمام سلطة قضائية محايدة بواحدة منها، فيعرّي الدولة تجاه صدقيّتها في وعودها.

فقد طعن منصور بتعيينات الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات أمام مجلس شورى الدولة، وهذا ما يتوقّع أن يكون له ارتدادات مشابهة في باقي القطاعات، خصوصًا إذا ما ثبتت صحة ما ورد في المطالعة المقدّمة بواسطة المدير التنفيذي للمفكّرة القانونية نزار صاغية، حول التفاف الدولة في هذه التعيينات على الدستور اللبناني، ولا سيما المادة 95 منه، أو على الآلية التي حدّدتها الحكومة لنفسها في ملء الشواغر في مواقع المسؤولية الحساسة.

وقال منصور، في ردّه على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر صحافي خُصّص للإعلان عن تفاصيل الطعن المقدم، إنّ خطوته جاءت بعد أن شعر بأنه "مخدوع"، ليتبين أنّ من خدعه فعليًا هي الدولة.

صدّق منصور أن الدولة ستطبق معيار الكفاءة في اختيار المرشحين لمراكز المسؤولية، من ضمن الخطة الإصلاحية التي وعدت بها في مسار الإدارة اللبنانية. فقدم ترشيحه إلى رئاسة الهيئة الناظمة للاتصالات، مدعومًا بسيرة ذاتية تشير الى تقدّمه على باقي المرشّحين، خصوصًا لناحية توليه مراكز قيادية، ولخبرته الموثّقة في مجال الاتصالات. فدعي، ولو بتأخير غير مبرّر، إلى مقابلات، وحصل على أعلى نسبة تقدير، وفقًا "لتأكيدات شخصيات رسمية بارزة أشرفت على التعيينات، ومن بينها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة"، وفق ما ورد في الطعن المقدم.

ولكن منصور وجد نفسه مع ذلك، ضحية "سقطة" توزيع طائفي جعلت الدولة نفسها تخلّ بمعاييرها، وأبعد من ذلك، ضحية تعيينات خالفت الدستور اللبناني، لا سيما المادة 95 منه، وروحيته القائمة على ترسيخ هدف إلغاء الطائفية السياسيّة، عبر حفظ ضوابط موقتة للمناصفة، حتى لا تتحوّل ذريعة لإقصاء الكفاءات عن الوظائف العامة.

تجاوزات تخطت الهيئة الناظمة

الخطير في الطعن هو ما كشفه من تجاوزات تخطت ما جرى في الهيئة الناظمة للاتصالات، إلى ارتكابات مشابهة في تعيينات أخرى، تجاوزت بواسطتها الحكومة حتى الشروط الموضوعة لملء الشواغر في بعض المواقع المسؤولة. وهذا ما يجعل من قضية منصور مدخلًا للدفاع عن مصلحة عامة، "من دون التقليل من شأن حق المستدعي في الدفاع عن مصلحته"، وفقًا لما ورد في مطلع الطعن. وهي بالتالي اختبار لجرأة القضاء الإداري على مواجهة المحاصصة، متى ثبتت عناصرها.

في الشكل إذن، قد تبدو دعوى الإبطال مقدّمة ضد الدولة، ولكن هدفها، كما قال منصور وصاغية، مساعدة الحكومة في تطبيق بيانها الوزاري. ويأتي ذلك بعد أن أقرّ رئيس الحكومة نواف سلام صراحة في عدد من مداخلاته أن حكومته فشلت في تحرير مراكز كثيرة من التخصيص الطائفي، وكشف عن تجاوز الحكومة اللبنانية للمعايير التي وضعتها لنفسها في بيانها الوزاري.

إلا أن النقد، على ما يكشف الطعن، لم يكن ذاتياً فقط، إنما تخطّاه إلى السلطة الرقابية البرلمانية. إذ سجّل "المرصد البرلماني" في المفكرة القانونية خلال أول جلسة انعقدت للهيئة العامة، بتاريخ 15 و16 تموز 2025، لمناقشة السياسة العامة لحكومة الرئيس نواف سلام، أن التعيينات التي نفذت وآليتها، كانت محور ثلاث عشرة مداخلة نيابية، اعتبر عدد منها أنّها افتقرت إلى الشفافية، ولم تُطبّق فعلياً المادة 95 من الدستور المتعلقة بعدم تخصيص الوظائف العامة لأيّة طائفة وضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين.

يقوم مبدأ عدم تخصيص أيّ مركز لأي طائفة على قاعدة جوهرية، وهي عدم إمكان إقصاء أيّ مرشح من طائفة معيّنة عن أي مركز. إذ يشكل استبعاد مرشح بسبب طائفته تمييزاً على أساس الطائفة أو الدين، وحرماناً من حقوق أساسية مكرّسة في الدستور وفي المواثيق الدولية، وتحديداً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي لحقوق الإنسان.

في حين يتبين عبر سابقة الطعن المقدم، أن الحكومة في معرض تطبيقها لمبدأ المناصفة أخلّت بكل هذه المواثيق. وهي تعمّدت ذلك بواسطة وضع مراكز لا صلة بينها في سلة تعيينات واحدة، على نحوٍ يخوّلها إقصاء مرشحين من طوائف معينة، بحجة أن طائفتهم استنفدت حصّتها من التعيينات. وهذا ما حصل تماماً في قضية منصور.

لم تحدّد الحكومة عبر التعيينات التي أجرتها، الوظائف التي تعتزم وضعها في سلة واحدة، تمهيدًا لتطبيق مبدأ المناصفة عليها. بل هي حصرت تعييناتها في أربعة مراكز، وهي الهيئة الناظمة للاتصالات، الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، الهيئة الناظمة للقنّب الهندي، ومجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، من دون إعلان رسمي عن وجود أيّ ارتباط بين التعيينات الأربعة.

جلسة أطاحت بآلية التعيينات

في المقابل قدم الطعن قرائن من وقائع الجلسات الحكومية والتسريبات الإعلامية تبيّن أن آلية "سلة المراكز" الأربعة، استُخدمت بطريقة تسمح بتفادي تطبيق منضبط لمبدأ المناصفة الذي ينص عليه الدستور، ويشمل جميع مراكز الفئة الأولى. إذ كان على الحكومة أن تحدّد السلة التي ستطبق المناصفة عليها، بحيث تشمل جميع المراكز المعنية المشغولة فعلياً أو التي تُملأ. ولكنها اكتفت بتطبيق المبدأ على أربعة مراكز فقط، مع ما يستتبع ذلك من هامش واسع لاستبعاد الضوابط وإقصاء المرشحين الأكثر كفاءة وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.

وضعت التعيينات الأربعة المذكورة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 17 تموز، والتي تبين لاحقاً أنها جلسة أطاحت كامل الآلية التي وضعتها الحكومة في شهر آذار الماضي لملء المراكز الشاغرة في وظائف الفئة الأولى. إذ كشفت معلومات صحافية، وفقًا لما ورد في الطعن، عن بازار الاقتراحات التي جعلت تعيين رئيس الهيئة الناظمة للقنب يرسو على مرشح ماروني، وحصر تعيين رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني بمرشح شيعي من دون تبيان الأسباب. وأجّل بند تعيين رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات إلى حين توفر مرشح أرثوذكسي، وكذلك الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء إلى حين توفر مرشح سني. حصل ذلك من دون أن تتضمن أي من إعلانات ملء الشغور تحديداً لهوية طائفية للمرشحين.

في موضوع إقصاء المرشح الشيعي "الأقوى" عن رئاسة الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، اعتبر المجلس أن الطائفة الشيعية قد استنفدت حصّتها عبر تعيين مرشح شيعي، محمد عبد العزيز عزيز، في مركز المدير العام للطيران المدني. في حين أنَّ أفضلية عزيز كانت في تسبيق بند تعيينه على بند تعيين الهيئة الناظمة للاتصالات ورئيسها في الجلسة نفسها. وهذا ما حمل الشبهات بنيات مبيتة لتمرير هذا التعيين مهما كان الثمن، خصوصًا عندما يتبين أن الحكومة مضت بتعيين عزيز، خلافاً لشروط الترشح الواردة في الإعلان عن شغور الوظيفة، التي حددت سنّ المرشح بأنه يجب أن لا يتجاوز ال 64، في حين يبلغ عزيز 73 عاماً، وكان يجب أن يشكل ذلك سبباً مباشراً لاستبعاد ترشيحه وعدم رفعه الى مجلس الوزراء بالأساس.

أدارت الحكومة أذنها الطرشاء للانتقادات التي رافقت هذا الخرق في تعيين عزيز. ومضت في إقصاء "الأكفأ" للهيئة الناظمة للاتصالات، على خلفية تعيين شخص من طائفته في مركز آخر بالرغم من كون هذا الأخير غير مؤهل لذلك. وهذا ما كشف أن الحكومة قامت عن سابق تصور وتصميم بتفضيل مرشح شيعي غير مؤهل لإشغال المركز في المطار.

لم تستبعد الحكومة بفعلتها، كفاءة واحدة، وإنما ثلاث كفاءات اعترفت بهم الإدارة، عندما رفعت ترشيحاتهم إلى جلسة مجلس الوزراء. والسبب أن أيًا منهم لم يكن أرثوذكسيًا. والأسوأ أنها عندما لم توفّق في إيجاد مرشح أرثوذكسي بالكفاءات نفسها، عملت على ترفيع ترشح إحداهن من عضوية الهيئة الى رئاستها. فمع أن جيني الجميل رأت نفسها مؤهلة لعضوية الهيئة عندما تقدمت بترشيحها للمنصب، فإن حظها كـَ "أرثوذكسية" رفعها إلى رئاسة الهيئة، ولو من دون المؤهّلات المحددة في إعلان ملء الشغور، ولا سيما من ناحية "تفضيل" أن يكون المرشح قد شغل موقعاً قيادياً لمدة سبع سنوات.

لم تنجُ حكومة سلام في التعيينات التي انتظرها اللبنانيون لسنوات إذن، وربط بها عمليّة الإصلاح في قطاع الاتصالات، من الغرق في مستنقع المحاصصة نفسها التي عطّلت استقلالية المؤسسات منذ تأسيسها. وهذا ما يضع أداءها في موقع شبهة بالنسبة لملء الشواغر في الإدارات العامة عمومًا، مع ما يتسبب به ذلك من تفاقم للشعور بالإقصاء لدى أصحاب الكفاءات التي يجب أن تستقطبهم الإدارة العامة، ولا سيما في قطاعات حسّاسة كالاتصالات والطيران والطاقة.

انطلاقا من هنا، يمكن النظر إلى طعن منصور كجرس إنذار، لا لتجميد التعيينات؛ بل لإعادة تصويبها، وتذكير الدولة بأن تجاوز الكفاءة لحساب الطائفية لا يهدّد قطاعًا بعينه؛ بل ينسف فكرة الدولة نفسها. في انتظار القرار الذي سيتخذه مجلس شورى الدولة، خلال مهلة شهر، الذي إما أن يكون محطة تصحح مساراً طال انحرافه، أو يكتفي بإضافة سابقة قانونية جديدة إلى أرشيف الشكاوى التي توثّق فشل الدولة في محاسبة نفسها. 

MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING