الديار: مريم نسر-
لا يزال العدو الإسرائيلي يَعتدي ويُدمِّر ليس فقط لقتل الإنسان، وإنما لقتل الحياة في قرى الحافة الأمامية في الجنوب، ولا يزال أهالي القرى الحدودية مُهجَّرين منذ أكثر من عامين، خارج قُراهم وأراضيهم ومنازلهم وأرزاقهم ، نتيجة آلة الإجرام الإسرائيلية، إلا أن هناك مَن يُصِر على العودة والإستقرار في قريته الغير آمنة أصلاً، وهناك مَن يتنقل بين البلدة التي نزح إليها وقريته، ولو ليلقي نظرة على بيته المهدَّم ورزقه الذي أحرقته غارات العدو.
هذا الواقع يعيشه أهالي الجنوب، وتحديداً في المنطقة الحدودية التي تمنع "إسرائيل"ليس فقط إعادة إعمارها، بل تقصف أيضاً البيوت الجاهزة التي كانت خياراً لمَن دمّرت منزله، ورغم ذلك يريد أن يبقى في بلدته. فمَن يجول في تلك القرى يرى مشاهد الصمود كثيرة، ومنها مشهد توافد الطلاب الى المدرسة الرسمية في الناقورة، التي دمّر الصهاينة جزءاً منها ، وأعاد مجلس الجنوب ترميمها في الأول من آب، الى أن باتت مؤهلة لاستقبال الطلاب في الخامس عشر من أيلول، أي الموعد المحدَّد لإفتتاح المدارس.
تقول مديرة المدرسة ليال يوسف إن وزارة التربية أعطت الإيعاز، ومجلس الجنوب أخذ الموافقة بالترميم، ليتم افتتاح المدرسة ببداية العام الدراسي كباقي مدارس لبنان. وهذا ما حصل فعلاً، فالمدرسة في الناقورة تُعتبر المدرسة الوحيدة في القطاع الغربي التي فَتحت أبوابها، بطاقم تعليمي بلغ 18 أستاذاً يأتون من داخل الناقورة ومن خارجها ، وبعدد طلاب بلغ 56، منهم مَن يأتي من داخل الناقورة. واللافت أن منهم مَن يأتي من المناطق التي نزحوا إليها، أي من منطقة صور، بعد أن أمّنت لهم المدرسة بفعل الخيِّرين وسيلة نقل من أماكن نزوحهم الى المدرسة، لا تشمل الطلاب فقط وإنما أيضاً الأساتذة يتنقلون بهذه الطريقة.
أما عن الأضرار التي لحقت بالمدرسة، تقول المديرة إن الأضرار كانت كبيرة، فالمختبر مُحطَّم بشكل كلّي، وكذلك غرفة المعلوماتية وأيضاً المكتبة، عدا عن تحطّم الزجاج، بالإضافة الى غرفة الإدارة التي كانت بحاجة لترميم كحال النظارة وغرفة المعلمين، ما يعني أن المستندات والتجهيزات الأساسية لم تعد موجودة، وباتت المدرسة بحاجة لتجهيزات جديدة شملت المكتبة، وهذا ما ساهمت به بعض الجمعيات والمبادرات الفردية، التي ساعدت الطلاب أيضاً بتأمين الكتب والقرطاسية بشكل مجاني. وفيما يتعلّق بغرفة المعلوماتية، هناك سعي لتأمين تمويل تجهيزها من جديد، أما المختبر فبات خارج الخدمة.
لقد أظهر فتح أبواب المدرسة إصرار أهل الناقورة على العودة إليها، فهي كانت مبرِّراً لرجوع الكثيرين، تقول الأستاذة ليال يوسف، فنحن مَن شجّعنا الناس، بحيث زاد عدد العائدين الى البلدة والإستقرار فيها من 60 عائلة الى 100 عائلة، ورغم الوضع الأمني والإعتداءات والتهديدات والضغوطات والقلق، الذي تنشره "إسرائيل" من خلال تصريحات مسؤوليها، والضخ الإعلامي الكبير الذي يُنبىء بحرب موسّعة قادمة، يُصر الطلاب على الحضور يومياً الى المدرسة وإستكمال عامهم الدراسي، وبدل أن يتعلمّوا يُعلِّمون العالم درساً بالصمود والإصرار والثبات والتمسّك بالأرض والحق.
