تتكرّر المشاهد الأمنية في لبنان بوتيرة تُثبت أن الدولة لا تزال تتعامل مع ملف السلاح غير الشرعي بمنطق المعالجات الظرفية لا القرارات الحاسمة.
ففي فجرٍ جديد، داهم الجيش اللبناني حيّ الشراونة في بعلبك، وواجه مقاومة مسلّحة من مطلوبين، كما سبقتها مداهمات مماثلة في مناطق أخرى.
وفي المقابل، شهد مخيم شاتيلا حادثة مؤلمة أودت بحياة الشاب إليّو أبو حنّا، برصاصٍ خرج من سلاحٍ لا يخضع لأي سلطةٍ شرعية.
ما بين المداهمة في البقاع والرصاصة في العاصمة، تتجلى المعضلة نفسها: سلاح خارج الدولة، ودولة خارج القرار.
الوقائع ثابتة... والمساءلة غائبة
يقوم الجيش اللبناني بمسؤوليته الكاملة، ضمن حدود التفويض الممنوح له.
لكنّ غياب القرار السياسي الحازم في ضبط السلاح خارج الشرعية يجعل من كل إنجاز أمني خطوة ناقصة، تُفرّغ التضحيات من مضمونها.
فالسلاح المتفلت لا يهدّد فقط الأمن الوطني، بل يضرب جوهر السيادة، حين يصبح القتل والاشتباك والخوف جزءًا من يوميات المواطنين.
إنّ البيانات الوزارية التي تكرّر عبارات “ضبط الأمن” و“حصر السلاح بيد الدولة” لم تعد كافية.
المطلوب ليس القول بل الفعل، ليس الوعود بل التنفيذ، لأنّ الدولة التي لا تُمسك بقرارها السيادي الكامل، تفقد تدريجًا ثقة شعبها وقدرتها على فرض هيبتها.
من نهر البارد إلى اليوم... لم تُستخلص الدروس
منذ أحداث نهر البارد عام 2007، مرورًا بمواجهات عين الحلوة وصولًا إلى شاتيلا، تتكرّر الوعود بخطة شاملة لضبط السلاح داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها، لكن التنفيذ يبقى مؤجّلًا تحت عناوين “الظروف الأمنية” أو “التوازنات السياسية”.
و النتيجة واحدة:
استمرار السلاح غير الشرعي كعامل توتر دائم، واستمرار الخوف من اتخاذ قرار يفرض سلطة الدولة على كامل أراضيها.
وفي كل مرة يُدفع الثمن من دماء الأبرياء ومن صورة الدولة التي تتنازل عن سيادتها بالتقسيط.
غياب القرار السياسي... مسؤولية لا يمكن إنكارها
المسألة لم تعد تقنية ولا أمنية، بل سياسية بامتياز.
فمن يمنح الغطاء، ومن يتلكّأ في إصدار القرارات، ومن يتهرّب من المواجهة، يتحمّل مسؤولية مباشرة عن استمرار التفلت.
القرار السياسي لا يُقاس بمدى صدور البيانات، بل بقدرة الدولة على أن تقول كلمة واحدة لا رجوع عنها:
السلاح غير الشرعي مرفوض أينما وُجد، ومن يستخدمه يُحاسب، أيًّا يكن موقعه أو انتماؤه.
السيادة لا تُجزّأ ولا تُؤجَّل
المطلوب اليوم إرادة سياسية تترجم الأقوال بالأفعال، وتمنح الجيش اللبناني الغطاء الكامل لتنفيذ مهماته دون حسابات أو ضغوط.
ذلك هو الحدّ الأدنى من احترام الشهداء ومن حماية هيبة المؤسسات.
حادثة استشهاد الشاب إليّو أبو حنّا هي جرس إنذارٍ جديد لدولةٍ تكتفي بالمراقبة من بعيد.
والمداهمات اليومية في البقاع والشمال لن تثمر أمنًا دائمًا ما لم تُستكمل بقرارٍ سياسي واضح يضع حدًّا نهائيًا للسلاح الخارج عن الشرعية.
إنّ لبنان لا يحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى جرأة القرار.
فمن دون هذا القرار، سنبقى ندور في الدائرة ذاتها: جيشٌ يقاتل و يستشهد ، دولةٌ تتردّد، ومواطنٌ يُدفن تحت عنوان “ظروف أمنية قيد المعالجة”.
رندا شمعون
