يختبر أحمد الشرع قدرته على ضبط المقاتلين الأجانب في الشمال السوري، بعد فشل هجومه على «مخيّم الفرنسيين» وتفاقم الشكوك حول التزامه بأجندة غربية.
الأخبار: فراس الشوفي-
أعاد هجوم القوات الموالية للرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، على «مخيّم الفرنسيين»، في مدينة حارم قبل أيام، تسليط الضوء على ملف المقاتلين الأجانب في سوريا وتعقيدات المشهد الأمني هناك.
وربّما من المبكر التنبّؤ بنتيجة الافتراق التدريجي، بين «أبو محمد الجولاني» بحلّته الجديدة، وبين «إخوة الأمس» من المقاتلين الأجانب.
إلّا أنّ «المواجهة الأولى» بين الطرفين، تعطي مؤشّرات مهمّة حول نتائج «الاستطلاع بالنار»، الذي شهده الشمال السوري مؤخّراً، واحتمالات ردّ فعل المقاتلين الأجانب على أي تحرّك محتمل تجاههم من قبل الحكومة الانتقالية.
لم تفلح الأجهزة الأمنيّة الرسمية التابعة للشرع، و«هيئة تحرير الشام»، في عزل المقاتلين الفرنسيين بقيادة الجهادي الفرنسي، عمر ديابي، المعروف بعمر «أومسين»، عن باقي المقاتلين الأجانب، قبل شنّ الأمن العام السوري، هجومه على مخيّم الفرنسيين، والذين يعملون أيضاً تحت راية «الفرقة 82» في الجيش السوري الجديد.
إذ إنّ الأسباب التي أعلنتها أجهزة الحكومة الانتقالية ووزّعتها على الإعلاميين والحسابات المحسوبة عليها لتبرّر فيها تحرّكها العسكري ضدّ أومسين، وجماعته من بقايا تنظيم «فرقة الغرباء»، بما يشمل اتهامه باختطاف ابنة مقاتل فرنسي آخر، لم تؤتِ ثمارها في تحريض المقاتلين الأجانب والآسيويين خصوصاً، على تأييد العملية العسكرية ضدّ أومسين، وتركه ليلاقي مصيره لوحده.
بل على العكس من ذلك، ظهرت رواية السلطة ضعيفة جداً أمام الرواية الإعلامية التي قدّمها أومسين، وجماعته حول قصة الفتاة، ما حوّله إلى ضحيّة أمام زملائه من الأجانب في فصائل «تحرير الشام» سابقاً. ظهور أومسين، بمظهر المستهدف، والهجوم العنيف الذي شنّه الأمن العام على مخيّم الفرنسيين، واعتبار ما قامت به السلطة مكيدة لاعتقال أومسين، أو تصفية جماعته، كل ذلك دفع بالمقاتلين الأجانب إلى الانحياز إلى زميلهم والاستنفار للدفاع عنه، خصوصاً من قبل عناصر «الحزب الإسلامي التركستاني» والمقاتلين الأوزبك.
وعلاقة أومسين، بـ«التركستاني»، قديمة العهد منذ أيام «فرقة الغرباء»، التي تشكّلت عام 2013، في سوريا من مقاتلين جهاديين أوروبيين، خصوصاً من فرنسا وبلجيكا، بقيادة أومسين، وعملت لسنوات تحت رعاية «التركستاني» رغم اشتباكها في بعض المراحل مع «تحرير الشام»، واعتقال زعيمها في سجون إدلب.
ومّما لا شكّ فيه، أنّ الهجوم على أومسين، والذي سبقه اعتقال الإيغوري «أبو دجانة التركستاني»، بسبب ظهوره الإعلامي المتكرّر وتسبّبه بالإحراج للحكومة الانتقالية، عزّز الشكوك عند المقاتلين الأجانب، حيال نيّة الشرع، وحكومته قضم الملفّ باستهداف المجموعات بالتدريج وتحييدها والاستفراد بها، تنفيذاً لأجندة دولية يلتزم بها الرئيس الانتقالي؛ وهي السياسة ذاتها التي استخدمها الشرع، مع فصائل إدلب، حين هاجمها واحدةً تلو الأخرى، إمّا بهدف تطويعها أو تفكيكها.
لم تفلح الأجهزة التابعة للشرع في عزل الفرنسيين عن باقي المقاتلين الأجانب
وعلى هذا الأساس، ظهر التفاف المقاتلين الأجانب حول أومسين، والفرنسيين، دفاعاً متقدّماً عن النفس، في وجّه السياسة الجديدة التي يبدو أنّ الشرع، كان يختبرها للمرّة الأولى في حارم، ليبني على الشيء مقتضاه. ولم تصبّ النتائج الأوليّة في صالح الشرع، الذي ظهر عاجزاً عسكرياً عن إخضاع مجموعة صغيرة من المقاتلين نسبة للقوات المهاجمة ولباقي مجموعات المقاتلين الأجانب، بينما هو يحمل على عاتقه مهمّة ضبط هؤلاء أو حتى القضاء عليهم أمام دول الشرق والغرب التي يقدّم لها التعهّدات.
وما فعله الشرع، أنه أيقظ فقدان الثقة مع المقاتلين الأجانب الآخرين وكتّلهم ضدّه وتسبّب بتعاطف مؤيّديه العقائديين معهم، كما فشل في حسم الموقف لصالح سلطته، خصوصاً، أنّ الاتفاق الذي أوقف إطلاق النار أعطى صلاحية متابعة القضية لـ«الحزب الاسلامي التركستاني»، الذي يملك العدد الأكبر والأقوى من المقاتلين الأجانب في سوريا، من دون أن يتمّ تنفيذ مساعي السلطة لاعتقال أومسين.
وما يشعر به المقاتلون الأجانب حيال نوايا الشرع، لم يأتِ من فراغ، إنّما من الأجواء الأمنية والسياسية المتداولة حول مطالب الدول الكبرى منه، بعزل المقاتلين الأجانب وإنهاء أي تهديد قد يشكّلونه الآن أو في المستقبل على دولهم الأصلية، وعلى المحيط الإقليمي لسوريا الواقعة على بحرٍ نصفه الشمالي أوروبي. إذ إن الغرب شرع في الضغط على الشرع ليكون شريكاً علنيّاً في «مكافحة الإرهاب» عبر تنفيذ عمليات مشتركة مع التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، وضد مقاتلين سوريين وأجانب من المشارب الفكرية والتنظيمات نفسها التي باتت جزءاً من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية.
أمّا روسيا، التي استقبلت الشرع، منتصف الشهر الحالي، فيبدو أنها راضية عن التطمينات التي قدّمها الرئيس الانتقالي وقيادته العسكرية والأمنيّة حيال ملف المقاتلين الأجانب، مع وعوده بحلّ الملفّ «بهدوء»، ومنع المقاتلين من أصولٍ روسية، من تشكيل خطر على روسيا ومصالحها. وبالنسبة إلى الصين، التي لا ينسى مندوبها في مجلس الأمن، التذكير في كلّ مناسبة (آخرها ليل أول أمس) بخطر المقاتلين الأجانب في سوريا، خصوصاً ذوي الأصول الصينية الإيغورية والتركستانية، فهي تنتظر زيارة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، آخر الشهر الحالي، لتعرف مدى استعداد الحكومة السورية الانتقالية لمعالجة هواجس بكين الأمنيّة، بالتّخلّص من مواطنيها المهاجرين إلى سوريا، ومنعهم من تهديد أراضيها وتحريك الخلايا في إقليم شيجيانغ غرب الصين، ولتبني على الشيء مقتضاه في عرقلة رفع العقوبات الأممية عن الشرع، أو تسهيلها.
على أنّ أزمة الشرع ،مع المقاتلين الأجانب، لا تختزل بالتزاماته فقط أمام الدول، بل تمتدّ إلى ضعف سرديّته أمام مريديه من حمَلة الفكر التكفيري، في مقابل سردية تنظيم «داعش»، الذي يمارس ضغوطه لدفع جزء من المقاتلين الأجانب إلى الانضمام إلى صفوفه، بعد أن قاتلوا طويلاً في صفوف «الجولاني» وخذلهم «الرئيس الشرع».
