أكد باسيل أن حصر السلاح بيد الدولة مطلب وطني، إلا أن تحقيقه يتطلب خطة متكاملة تشمل تقوية الجيش وضمانات داخلية وخارجية وتوافقًا سياسيًا، مشيرًا إلى أنه لا حلّ فوري لهذا الملف وأن المطلوب خطوات عملية مدروسة لا تصريحات فقط.
يواصل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب اللبناني جبران باسيل جولة أوروبية شملت بلجيكا وفرنسا، التقى خلالها أبناء الجالية اللبنانية وعدداً من المسؤولين في البلدين.
وتأتي هذه الجولة في توقيت سياسي وأمني دقيق، إذ تشهد الساحة اللبنانية نقاشات محتدمة حول الانتخابات النيابية المقبلة وملفات الإعمار والعلاقة مع سوريا، إلى جانب تصاعد الجدل حول سلاح "حزب الله"، في ظل مخاوف متزايدة من توسّع التصعيد الإسرائيلي مع استمرار تل أبيب في خرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وصولاً إلى الملفات الإقليمية والدولية التي تفرض نفسها على المشهد اللبناني.
وفي حديث مطوّل مع "يورونيوز"، تناول باسيل القضايا الأساسية التي تشغل الداخل اللبناني، من الانتخابات والعلاقة مع الدولة إلى ملف السلاح والوضع الإقليمي، محددًا موقف "التيار الوطني الحر" منها.
الانتشار اللبناني
في مستهل المقابلة، تحدّث باسيل عن لقائه الجاليات اللبنانية في أوروبا، مؤكدًا أن اهتمامه باللبنانيين المقيمين في الخارج نابع من قناعته بأنهم جزء أساسي من طاقة لبنان البشرية.
ويرى أن "عبارة اغتراب" لا تعكس حقيقة حضور اللبنانيين في العالم، موضحًا أن "الأصح أن نتحدث عن الانتشار اللبناني في العالم، فهو قوة بشرية كبيرة. هو دعامة لبنان في المجال الاقتصادي والثقافيّ والدبلوماسيّ".
ويشير إلى أن لقاءاته مع المنتشرين أظهرت وجود "قلق كبير لديهم من تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان"، لكنهم في الوقت نفسه يمتلكون "رغبة قوية بالمساهمة في الإصلاح والإعمار"، معتبرًا أن "من واجب الدولة أن تسهّل مشاركتهم السياسيّة وتحفزهم وتحمي حقوقهم".
وحول مبادرته الخاصة باقتراع المغتربين اللبنانيين، يوضح أن العمل جارٍ لتثبيت حق اللبنانيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة: "نحن نعمل لتسويقها سياسيًّا ومن ثمّ صياغتها تشريعيًا بحيث نتفادى أي طعن دستوري بها، فإذا نجحنا في إدخال التعديلات المطلوبة نكون قد أبقينا على المقاعد الستة للانتشار وفتحنا باب التصويت بصورة متساوية للمنتشرين والمقيمين بحيث يختارون نوابهم مثلما يريدون سواء من بين المرشحين في الداخل أو في الدائرة 16".
ويرى أن هذا الملف لا يجب أن يتحول إلى ذريعة لتأجيل الانتخابات، معتبرًا أن "تنظيم الاقتراع الخارجي هو من مسؤولية الحكومة وقد نص القانون على إجراءاته التنفيذية ولا يجب أن يشكل تطبيقه أي ذريعة لتأجيل الانتخابات. المطلوب أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها بسرعة وتقوم باللازم".
ويؤكد أن "التيار مستعد للمشاركة في الانتخابات في موعدها وبحسب القانون النافذ"، محذرًا من "أي محاولة لتطيير الانتخابات وضرب الديمقراطية ومنع اللبنانيين من التعبير عن رأيهم". أما التحالفات، فيصفها بأنها "تُبنى على حسابات سياسية وانتخابية"، موضحًا أن "التيار لا يستبعد أي تحالف يخدم مصلحة الناخبين اللبنانيين وخصوصاً التياريين لكن يجري تقييم كل تحالف على أساس البرنامج السياسي والمصالح المشتركة، أما فيما يخصّ حزب الله، فإن التعاون الانتخابي معه يُقاس أيضا من منظار المصلحة التيارية واللبنانية أولًا".
ويعتقد أن المشهد السياسي المقبل سيعيد رسم الخارطة الانتخابية "في ضوء المتغيرات في الداخل اللبناني وفي المحيط"، مؤكداً أن هدف التيار "ليس فقط الحفاظ على المقاعد التي كسبها في انتخابات العام 2022 وإنما زيادتها واسترداد ما سُرق منه في إطار محاصرته وعزله".
في مقاربته للعلاقة مع رئاسة الجمهورية والحكومة، يعتبر باسيل أن التعاون مع الرئيس جوزاف عون يقوم على "الاحترام المؤسسي"، مشددًا على أن "رئيس الجمهورية هو شريك دستوري في السلطة باسم المسيحيين، والتيار يعمل على دعم موقعه غير أن هذا لا يمنع التيار من أن يكون معارضًا حيث يجب وبصورة إيجابية تساهم في تثبيت الاستقرار والديمقراطية، ولقد عبرنا عن ذلك مرارا انطلاقا من تأييدنا لخطاب القسم".
أما في تقييمه لأداء حكومة نواف سلام، فيشير إلى أن التيار سمّى رئيس الحكومة "انطلاقا من هدف إصلاحي اعتبرنا أنه يمثله وأيّدنا بيانه الوزاري"، لكنه يرى أن الحكومة "تحمل بذاتها أسباب فشلها بالنظر إلى التناقضات في تركيبة مكوناتها والالتزامات المتعاكسة التي قدمتها في الداخل والخارج"، مذكرًا بأن "التيار طالب منذ البداية بتشكيلة قائمة على معايير موحّدة وكفاءات قادرة على تنفيذ إصلاحات عملية".
ويضيف أن "الأداء لا يُقاس بالنوايا فقط بل بالنتائج"، متسائلًا: "ماذا تحقق من إصلاحات مالية وإدارية واقتصادية؟ ماذا تفعل الحكومة لوقف العدوان الإسرائيلي وتنفيذ التزاماتها بشأن حصر السلاح بالدولة؟ ماذا تفعل بالنسبة إلى إعادة الإعمار وملف النازحين؟ الجواب هو مكانك راوح".
وردًا على سؤال حول إتهام البعض للسلطة الحالية في لبنان بأنها خاضعة لوصاية خارجية، أجاب باسيل :"الاتهامات بالوصاية خطيرة"، موضحًا أن "خطأ الحكومة أنها أقرت ما وصفته هي بالورقة الأمريكية بدل أن تصوغ ورقة لبنانية لحماية لبنان وتحرير أرضه ولتحقيق الاستقرار فيه"، مشددًا على أن "التيار يرفض أي وصاية على لبنان، أما التواصل مع الدول فأمر طبيعي خصوصاً إذا كان الهدف توفير الحماية الوطنيّة تحت سقف السيادة".
ويشير إلى أن التيار عبّر عن هذا الموقف "في خطاب 13 تشرين بدعوة الحكومة اللبنانية إلى أن تحصل من الولايات المتحدة الأمريكية على اتفاقية تضمن أمن لبنان الاستراتيجي مقابل السلاح".
وعن التعاطي الأميركي مع لبنان، يوضح أن "الموقف الأميركي مركّب: من جهة هناك تعاون ودعم محدود للجيش، ومن جهة أخرى ضغوط سياسية علينا، في مقابل تساهل وتغطية للعدوان الإسرائيلي"، مضيفًا: "الحكومة اللبنانية تتخبط في قراراتها المخجلة. نحن نريد من الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بدور الوسيط النزيه والعادل إذا كانت تريد الاستقرار والسلام في المنطقة".
ورد باسيل على سؤال حول مستجدات ملف العقوبات الأميركية المفروضة عليه، موضحًا أنّ "هناك مسارًا دفاعيًا أتبعه في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأنفي كلّ الادعاءات الباطلة بالفساد. المسألة سياسية وليست خافية على أحد".
عن العلاقة مع "حزب الله"، بعد تحالف استمر سنوات، يوضح باسيل أن "التواصل قائم في إطار المؤسسات الدستورية وممكن حسب الضرورة الوطنية"، مؤكداً أن "التيار ضد عزل أي مكون لبناني"، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن "التيار صريح مع الحزب في مطالبته بجعل سلاحه في كنف الدولة وإدارتها والتفرغ للعمل السياسي على أسس وطنية تتآلف مع التركيبة اللبنانية وتتكيّف مع المتغيرات لما فيه مصلحة لبنان والبيئة الشيعية".
ويعتبر أن "حصر السلاح بالدولة مطلب وطني"، لكنه يتطلب "خطة متكاملة: تقوية المؤسسة العسكرية، ضمانات إقليمية ودولية، وتوافق سياسي داخلي"، مشددًا على أن "ليس هناك حلّ فوري" وأن "المطلوب خطوات عملية مدروسة لا تصريحات فقط، ونحن لا نزال ننتظر الحوار الذي قيل أنه سيجري بين رئيس الجمهورية والحزب".
ويضيف أن "إعادة الإعمار من واجب الدولة وهي حاجة إنسانية واجتماعية وينبغي أن تتمّ بغض النظر عن الملفات السياسية"، لافتًا إلى أن "الربط بين الإعمار وحصر السلاح هو نوع من الابتزاز يجعل الملف معقّداً".
أما في ما يتعلق بتبرير استمرار سلاح الحزب بحجة رفض المجتمع الدولي تسليح الجيش، فيقدّم باسيل قراءة تاريخية مطوّلة لجذور الأزمة، معتبرًا أن المشكلة "تكمن في أنّ الغرب الذي ترتبط به الدولة اللبنانية منذ نشوئها، يرفض من الأساس تزويد الجيش بأي سلاح يمكن أن يشكل برأيه تهديدًا لإسرائيل".
ويرى أن هذا الواقع "أضعف هيبة الدولة منذ أواخر ستينات القرن الماضي، فتحول الجنوب إلى ساحة مواجهة بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية، ودفع اللبنانيون، وتحديداً أهل الجنوب، ثمنها". ويشير إلى أن الجيش اللبناني "لم تكن لديه القدرة على منع العمل الفلسطيني المسلح، الذي ارتدّ لاحقًا إلى الداخل وفجّر الحرب اللبنانية".
ويستعيد باسيل مرحلة اتفاق القاهرة عام 1969، الذي "شرّع العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقًا من لبنان، فأسقط اتفاق الهدنة الموقّع عام 1949 وسقطت معه سيادة الدولة اللبنانية". ويتابع موضحًا أن "المقاومة جاءت في الثمانينيات كردّة فعل لبنانية على الاحتلال الإسرائيلي الذي تذرّع بمواجهة العمل الفلسطيني المسلح في السبعينات وأنشأ في الجنوب ميليشيات موالية له"، معتبرًا أن "هذه هي نتيجة عدم وجود جيش لبناني مسلّح وقوي".
ويشدد على أن "الحل اليوم يبدأ بإنهاء الاحتلال وبتسليح الجيش ليتولى هو حماية الحدود ونعود إلى الالتزام باتفاق هدنة 1949"، معتبرًا أن "الحرب لم تتوقف أصلًا، وسيبقى الصراع قائمًا طالما لم تنسحب إسرائيل وتبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي بقوة جيشها ويلتزم الطرفان بتنفيذ اتفاق الهدنة".
يعتبر باسيل أن انتقال السلطة في سوريا إلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أدخل البلاد "مرحلة جديدة نتيجة انقلاب كبير في موازين القوى"، مشددًا على أن لبنان "معني باستقرار سوريا وله مصلحة بذلك تبدأ بإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم وتمتد إلى معالجة ملفات الأمن والحدود والاقتصاد بين الدولتين".
ويضيف أن "الخوف على الوجود مبرّر، وأي توتر في سوريا يمتد أثره إلى لبنان لكن الحل يكون بقيام دولة تطمئن جميع مكونات الشعب السوري وبناء علاقات ثقة بين لبنان وسوريا. نحن حريصون على وحدة لبنان ونرفض أي خطاب أو مشروع تقسيمي مهما كانت مبرراته".
وفي ما يتعلق بملف النازحين، يدعو إلى اتفاق واضح بين بيروت ودمشق يحدد مهلة زمنية لا تتجاوز السنة لعودة اللاجئين، معتبرًا أنه "لم يعد هناك أي مبرر لبقائهم وبلادهم بحاجة إليهم في مرحلة إعادة الإعمار".
ويعبّر عن انتقاده للموقف الأوروبي قائلًا إن "الاتحاد الأوروبي والغرب عمومًا قاموا بدور سلبي بالنسبة إلى لبنان إذ عرقلوا عودة النازحين بحجة الخطر عليهم من النظام واستخدموهم كورقة ضغط"، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى "تمويل العودة وتشجيعها بعدما تغيّر النظام في دمشق".
ويضيف أن "الخطة الحكومية الحالية سلبية ومرفوضة لأنها تعطي النازح الحق في أن يختار بين بلاده والعودة إلى لبنان"، مشددًا على أن "العودة يجب أن تكون إلزامية وبالتنسيق مع الدولة السورية وبدعم عربي وأوروبي ودولي".
وفي ما يخص تصريحات الرئيس عون حول انخراط لبنان في مسار السلام الإقليمي، يؤكد باسيل أن "التيار مع كل ما يضمن حقوق لبنان وسيادته ومصالحه"، موضحًا:"لنبدأ بخروج الاحتلال وتطبيق الهدنة، أما السلام مع إسرائيل فله شروطه وأولها حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أرضنا. السلام مع إسرائيل يرتبط بالحل النهائي والشامل ولبنان لا يخرج عن الإجماع العربي".
في سياق زيارته الأوروبية، تطرّق باسيل إلى الملفات القضائية المفتوحة في أوروبا وبلجيكا، ومنها ملفات حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، معتبرًا أن "التيار كان أول من تصدى لملفات الفساد المالي ولاحق رياض سلامة"، مشيرًا إلى أن "التيار لا يزال يطالب الدول بمساعدتنا على كشف الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن حصول الانهيار المالي وإلزامهم بإعادة الودائع المسروقة والأموال المحوّلة دون وجه حق".
ويؤكد أن "التيار ناشط في معركة مكافحة الفساد لكنه لا يتدخل في عمل القضاء ويكتفي بتزويده بما يملك من معلومات، ويواصل توعية الرأي العام وفضح الجرائم المالية".
وفي الشأن الاقتصادي، يشدد باسيل على أن "السلامة المالية وحماية ودائع المودعين أولويتنا"، داعيًا إلى "اتفاق شفاف مع صندوق النقد يقترن بإصلاحات حقيقية للقطاع المالي وللاقتصاد الوطني".
ويختم قائلاً إن "التيار يتعرض لهجمات سياسية وإعلامية ويتم استخدام القضاء ضده بصورة ظالمة. يتم استهدافنا من منظومة نتواجه معها في معركتنا الإصلاحية والسيادية. يريدون تحجيم قوة التيار الشعبية لكننا صامدون وننتظر الانتخابات النيابية المقبلة لنثبت شرعيتنا وقوتنا".
تُظهر مواقف النائب جبران باسيل في حديثه إلى "يورونيوز" أن جولته الأوروبية لم تكن مجرّد لقاءات، بل تهدف إلى تأكيد حضور "التيار الوطني الحر" في المشهدين الداخلي والخارجي.
ومن خلال مواقفه من الانتخابات المقبلة، والعلاقة مع الدولة والحكومة، والملفات الإقليمية والاقتصادية، رسم باسيل معالم مقاربة يعتبرها متوازنة بين الانفتاح على الخارج والتمسك بالسيادة الوطنية، في مرحلة يصفها بأنها مفصلية في تاريخ لبنان الحديث.