HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

ثورة 17 تشرين بين النّوايا الصّافية والانحراف المقصود - بقلم جومانا ناهض

18
OCTOBER
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

في السّابع عشر من تشرين الأول 2019، خرج اللّبنانيّون إلى الشّوارع مدفوعين بنقمةٍ حقيقيّة على الفساد المستشري في مؤسّسات الدّولة، وبغضبٍ عارم على تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشية، مُنطلقين من حجّة ضريبة ال ٦ سنت الّتي فرضتها الدّولة على فاتورة الخلوي.
كانت الصّرخة الأولى صادقة، تعبّر عن وجع النّاس ورغبتهم في الإصلاح، وعن حلم بوطنٍ نظيفٍ شفافٍ تسوده العدالة والمحاسبة. وهنا طبعًا، وكعادته كان التيّار الوطني الحرّ المُرحّب الأوّل بذلك الحراك. غير أنّ ما بدأ كحراكٍ شعبيٍّ جامعٍ نظيفٍ، سرعان ما تحوّل إلى ساحة صراعاتٍ وحساباتٍ سياسيّة ومصالح خارجيّة، شوّهت جوهر الثّورة وأفقدتها روحها الأصيلة.

تحريف المسار: من مطلب الإصلاح إلى ساحة التّصفية:

لم يمضِ يوم حتّى تراجعت الشّعارات الوطنيّة الجامعة وحلّت مكانها شعارات مشبوهة تستهدف فريقًا دون غيره، وتحديدًا رئيس الجمهورية ميشال عون والتيّار الوطني الحرّ. مع أنّ هذا الفريق كان من أوائل من نادوا بالإصلاح ومكافحة الفساد وعمل بالقانون لمحاولة تحقيقه، إلّا أنّ بعض الجهات الخارجيّة مدعومة بخيانات داخليّة وجدت في الهجوم عليه وسيلة لتصفية حساباتٍ سياسيّة. وهكذا تحوّلت الثّورة من مساحة مطلبيّة إلى سلاحٍ موجّه فبدأت الأموال تُضخّ من جهاتٍ معروفة التّوجّهات والأهداف، وظهرت على الأرض مجموعات منظّمة تتلقّى التّعليمات وتموَّل بشكلٍ غير بريء. غابت المطالب الاجتماعيّة لحساب الشّعارات الشّعبويّة والمهينة، وعمّت الفوضى تحت ستار الحرية والثّورة البنّاءة... رحمة الله عليها.

الطّرقات الّتي أُغلقت في وجه النّاس لا في وجه الفساد:

من المشاهد الّتي بقيت عالقة في ذاكرة اللّبنانيّين مشهد إغلاق الطّرقات على النّاس: على "الأوادم". وجوه صادقة بريئة في مواجهة وجوه مُخادعة كذوبة. تحوّل الاحتجاج السّلميّ إلى سلوكٍ يُرهق النّاس ويزيد من معاناتهم اليوميّة: مريض لا يستطيع الوصول إلى المستشفى، عامل يُمنع من الذّهاب إلى عمله، وأمّ عالقة على الطرقات مع أولادها في انتظار أن يفتح أحدهم الطريق باسم "الثّورة".
في المقابل، وقفت المؤسسة العسكرية موقفًا صعبًا لا تُحسَد عليه بين واجبها في حماية حرية التّعبير ومسؤوليّتها في الحفاظ على الأمن والسّلم الأهلي. ورغم التزامها ضبط النّفس وتجنّب العنف، إلا أنّها كانت تُقابَل أحيانًا بسوء معاملةٍ واستفزازٍ غير مبرّرَين من بعض المحتجين، وكأنّ الهدف كان خلق صدامٍ مُفتعل لتأجيج الفوضى. فأيّ ثورة هي تلك الّتي تضع الشّعب في مواجهة المؤسّسة الأقدس؟!
أمّا ما قطع أوصال العيش وقتها كان الغلاء الفاحش ما رخُصت معه الحياة وكان للماليّة ومصرف لبنان وحاكمه اليد الطّولى في سرقة العصر. سرقة أموال المودعين وتهريب أموال إلى الخارج. وحين يُجوّع وتُنفَض جيوبه يستطيعون بسهولة غشّه وإخضاعه وتحوير الاتّهام عن المتّهمين الأساسيّين. وهكذا أصبح معهم رئيس الجمهوريّة المتّهم الوحيد.

أطراف شاذّة وفساد أخلاقيّ داخل الحراك:

تسلّلت إلى صفوف الحراك أطرافٌ غريبة عن النّسيج الوطنيّ الجامع تحمل أجنداتٍ شخصيّة أو حزبيّة أو حتّى خارجيّة. فبدل أن تكون السّاحات رمزًا للنّقاء، تحوّلت إلى منابر للفوضى اللّفظيّة، والاتّهامات العشوائيّة، والتّحريض الطّائفيّ والسّياسيّ والمستوى الأخلاقي المُتدنّي حيث باتت الشّوارع فعليًّا تصلُح لهؤلاء. وبرزت مظاهر فسادٍ في صفوف بعض النّاشطين أنفسهم: تمويل غامض، شعارات متقلّبة بحسب المموِّل، وتنافس على الظّهور الإعلاميّ أكثر منه على الإصلاح الحقيقيّ فبات، وللأسف معظم الإعلام رسولاً لنقل الفساد ولإعلاء شأنه.

من الثّورة إلى المشروع المضاد:

بمرور الأيّام، تبيّن أنّ ما كان يُسمّى بــ "ثورة 17 تشرين" لم يعد يُعبّر عن النّاس الّذين انطلق باسمهم. بل صار مشروعًا مُضادًّا لإرادة الإصلاح الحقيقيّة، ويهدف إلى ضرب المؤسّسات الشّرعيّة وإضعاف الرّئاسة، وتحديدًا اسْتهداف الرّئيس عون والتيّار الوطني الحرّ الّذين كانوا في قلب مشروع الإصلاح والمساءلة.
وهكذا، تحوّل الحلم إلى أداة، والمطلب الصّادق إلى شعارٍ مفرّغٍ من معناه تافهٍ بلا هدف أو رؤية حقيقيّة، بعدما استغلّته قوًى لا تريد للبنان قيامة، بل مزيدًا من الانقسام والفوضى.

اليوم، وبعد مرور سنوات على 17 تشرين، يدرك اللّبنانيّون أنّ الثّورة ليست صراخًا وتكسيرًا في الشّارع ولا فوضى وقطع طرقات على من يُقاتل الموت والفَقر ليعيش، بل هي وعيٌ ومحاسبةٌ حقيقية وإصرارٌ على الإصلاح من داخل المؤسّسات.
أمّا ما حدث يومها، فكان مثالّا حيًّا على كيف يمكن لأيّ حركةٍ صادقة أن تُختطَف، وأن تُستعمَل ضدّ المبادئ الّتي وُلدت لأجلها. ويبقى الاعتماد، اليوم، على وعي وإرادة الشّعب الحقيقيّة الشّفافة البعيدة عن التّزلّف والارتهان، المواجِهة لكلّ بائع وشارٍ للضّمائر والوطنيّة للنّهوض بالوطن الّذي لم يُشترَ يومًا ولن يُباعَ أبدًا.
الثّورة لا تولد إلّا من رحم القادة، لقب اعتزّ وعلا واغتنى حين نُسِب إلى "ميشال عون"

MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING