خاص tayyar.org -
تتجاوز مبادرة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لإتاحة ممارسة المنتشرين اللبنانيين حق الاقتراع مظاهرها الإجرائية لتصبح مقاربة سياسية ذات أبعاد استراتيجية. فالمقترح لا يكتفي بتحويل عملية التصويت إلى إجراء تقني يسهّل الوصول إلى صندوق الاقتراع، بل يعبّر عن محاولة لإعادة رسم خرائط التمثيل والوزن الديموغرافي داخل المنظومة السياسية اللبنانية، وهي خطوة قد تعيد تحديد قواعد اللعبة الانتخابية والطائفية.
تعمل المبادرة على إحداث تأثير مزدوج: من جهة هي تعزز شُعور الانتماء بين المغترب ووطنه عبر ربطه بمسار اتخاذ القرار، ومن جهة أخرى تمثل آلية قابلة لإعادة توزيع موارد القوة السياسية.
بهذا المعنى، تصبح المبادرة اختباراً لصدق الخطاب الإصلاحي عند الأطراف السياسية: فهل سنشهد قبولاً يفضي إلى مراجعات مؤسساتية لتعزيز الشفافية والمساواة في التمثيل، أم ستُستَغل آليات التسجيل والاقتراع كأدوات لتكريس مكاسب انتخابية؟ موقف القوى السياسية، لا سيما المسيحية منها، من هذه المبادرة يكشف قدر الالتزام الحقيقي بإشراك المغتربين كشركاء سياسيين، لا كمخزون انتخابي قابل للاستدعاء عند الضرورة.
كما أن إدماج المغتربين سيعطي بعداً سياسياً للرأسمال الاجتماعي والاقتصادي الذي يمثلونه. هذا الربط قد يخلق آلية ضغط جديدة تدفع نحو سياسات تستجيب لرغبات شريحة واسعة من اللبنانيين خارج الحدود، بمعنى أن منح صوت للمغترب قد يترجم إلى مطالب ملموسة بالإصلاح، حماية الحقوق، أو إعادة النظر في سياسات الهجرة والاقتصاد.
ويعتمد نجاح أي إصلاح انتخابي على تفاصيل التنفيذ: قواعد التسجيل، ضمان النزاهة، محاربة التزوير، وإيجاد ثقة متبادلة بين الدولة والمغترب. كما أن أي تغيير في اللعبة النيابية سيواجه مقاومات مِمّن تعرضت مصالحهم للخطر، ما يتطلب تسهيلات تشريعية ومراجعة لإطار التمثيل الطائفي لضمان شرعية مستدامة.
بذلك، لا تعود مبادرة باسيل مجرد اقتراح إداري، بل دعوة إلى تحديد من يحق له المشاركة في صناعة القرار، وكيف يمكن لعودة الصوت المغترب أن تصبح قوة داعمة للإصلاح وليس مجرد أداة انتخابية. ولضمان نتائج بناءة، يلزم اعتماد شفافية كاملة في آليات التطبيق، إجراءات تحصّن الثقة، وحوار وطني يضع المصلحة العامة فوق الحسابات الضيقة.