جومانا ناهض -
في كلّ عام، تطلّ علينا ذكرى ١٣ تشرين كجرح مفتوح في ذاكرة الوطن، وكصرخة حقّ لم تهدأ يومًا في وجدان الأحرار. إنّها المحطّة الّتي حاول فيها الغدر أن يخمد شعلة السّيادة، وأن يُخرسن صوت الحقّ وأن يتلاعب بميزان العدل فقُدّمت التّضحيات الزّكيّة واحتلّت البذلة العسكريّة مرتبة الشّرف. وتكسّرت أحلام شباب حملوا أرواحهم على أكفّهم وقدّموا الوطن على طموحاتهم.
في ذلك اليوم الّذي طُعن فيه بمن عادى المحتلّ وأراد بناء دولة قويّة، والّذي أراد الخائنون والخاضعون أن يطووا يومها صفحة العماد ميشال عون، الرّجل الّذي جعل من قصر بعبدا قصرًا للشّعب، وإذا بالأوفياء يملأون ساحاته، فمازجت أروقة القصر بين العمل والأمل.
لقد أراد القصّار أن ينزعوا من قلب لبنان صوته الحرّ، لكنّهم لم يُدركوا أنّ الرّجال العظماء لا يُهزمون، وأنّ الجبال أبيّة وأنّ الشّمس حارقة لا تُهادن. عظيمنا نحن - جنرالنا - فكرة عميقة والفكرة لا تموت.
لقد وقف في وجه أعتى القوى العسكريّة والسّياسيّة، لم يفكّر بمصالح أو حسابات، بل بلبنان أوّلاً وأخيرًا.
كان يعرف أنّ الطّريق وعرٌ، وأنّ الخيانة متربّصة على دروب التّحرير، وأنّ الأخ قد يكون من ألدّ الأعداء، لكنّه اختار الكرامة على الاستسلام، والسّيادة على التّبعية.
وإن كان ١٣ تشرين بالنّسبة لكارهي الوطنيّة يوم انكسار عسكريّ، فهو للوطنيّين والأحرار، للمناضلين والعونيّين، يوم ولادة صمود تاريخيّ عظيم وامتداد لهويّة الشّعب العظيم الّتي منحها الجنرال لشركاء النّضال من مدنيّين، الكبار منهم والصّغار، وعسكريّين.
وبعدها جاء التّهجير القسريّ للقائد الّذي شكّل حالة استثنائيّة وصولًا إلى ولادة تيّارٍ حمل اسم الحرّية ونادى بالإصلاح والتّغيير.
بقيت ذاكرة ذلك اليوم بوصلة أجيال آمنت أنّ لبنان يستحقّ التّضحية، وأنّ الدّماء الطّاهرة لا تُهدر بل تتحوّل نبراسًا للمستقبل.
اليوم، حين نستذكر ١٣ تشرين، نستذكر صمود القائد الّذي خرج من القصر مرفوع الرأس، ليعود ذاك اليوم المجيد على هتافات النّاس، وصيحات الفرح والأمل الّذي لم يفقده محبّوه يومًا مؤكّدًا أنّ الحقّ، وإن غاب زمنًا، فهو لا يضعف ولا يبهت ولا يخفت وهجه.
ذكرى ١٣ تشرين ذكرى عزّ، فيها تختلط الدّموع بالفخر، والألم بالإيمان، بأنّ لبنان الّذي صمد في وجه العواصف سيبقى وطنًا للحرّية، سيبقى عصيًّا على غزاة الدّاخل والخارج، سيبقى أبيًّا ومنارة للأجيال مهما اشتدّت المحن.
لبنان برعايتك جنرال ... كان ولا يزال كونًا في أرض صغيرة.