خاص tayyar.org -
يقف لبنان أمام منعطف جديد بعد نجاح الجهود الدولية في إرساء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إذ ليس هذا التطور محصورًا بساحة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل يحمل انعكاسات وربما تداعيات لبنانية عميقة جنوباً وعلى مستوى التوازنات الداخلية برمّتها. فالحرب التي اندلعت قبل سنتين جعلت من لبنان جزءًا من معادلة تبادل الصفعات الإقليمية، حيث شكّلت جبهة الجنوب ساحة رسائل بين طهران وتل أبيب، واستنزافًا لبنانياً متواصلًا.
مع دخول التهدئة حيّز التنفيذ، تبرز أمام لبنان فرص وتحديات متشابكة. فمن جهة، قد يشكّل وقف النار مدخلًا لتثبيت استقرار أمني نسبي يُعيد الحياة إلى القرى الحدودية ويفتح المجال أمام تحريك الاقتصاد وعودة بعض الثقة الدولية. ومن جهة أخرى، فإن أي تسوية لا تتضمّن ضمانات واضحة للحدود وللدور المستقبلي لـ“حزب الله” ستبقي احتمالات الاشتعال قائمة، خصوصًا إذا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحاجة إلى حرب جديدة تدفع عنه ما ينتظره قضائياً.
داخليًا، يعمّق الاتفاق الانقسام السياسي حول موقع لبنان في الصراع: فمحور المقاومة يعتبره انتصارًا لمعادلة الردع وتأكيدًا لدوره الإقليمي، فيما ترى القوى المناهضة للحزب فرصة تاريخية لترسيخ الحياد وتعزيز سلطة الدولة على كامل أراضيها. أمّا اقتصاديًا، فإن استقرار الحدود قد يشجّع المانحين على دعم مشاريع إنعاش جديدة، شرط أن تُظهر السلطة قدرة على استثمار التهدئة في مسار إصلاحي فعلي وفي تثبيت مسار حصرية السلاح.
هكذا، يشكّل اتفاق غزة اختبارًا جوهريًا للبنان: إما أن يحوّله إلى رافعة لاستقراره وبناء دولته، أو أن يبقى مجرّد هدنة عابرة في دوامة الصراعات المفتوحة.