تشهد الساحة الإقليمية تطورات متسارعة هذه الإيام، وهكذا تنقلت المنطقة بين شبح الحرب الشاملة إلى رياح السلم الآتية من الولايات المتحدة الأميركية، وبات من شبه المؤكد ان خريطة المنطقة ورياح الحرب والسلم فيها باتت كلها في يد لاعب واحد لا شريك له. فبعد الحديث عن عمليات الإبادة وتهجير غزة إلى سيناء، ومشاريع ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها إلى الإردن، مع ما رافق ذلك من اعتداءات طاولت الدوحة وطاولت مقرات إقامة الوفد المفاوض لحماس داخلها، إذ بالصورة تنقلب رأساً على عقب فيقوم نتنياهو بالاتصال بأمير قطر والاعتذار فماذا حصل؟ ولماذا تحول موقف الولايات المتحدة من داعم وبشكل كلي وعلني إلى نتنياهو ومشاريعه التوسعية التلمودية والقائمة على شعار واحد ألا وهو "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل"، إلى موقف أكثر ليونة وواقعية يحافظ على مصالح الأميركيين ولكن من دون المغالاة في دعم الدولة العبرية؟.
قراءة أميركية جديدة للسياسات العربية
إذا كان صحيحاً أن قمة الدول الإسلامية والعربية في الدوحة ركزت على دعم قطر ولكنها لم ترق إلى مستوى الأفعال بل تركزت على الإدانة والشجب والاستنكار، فبقيت مواقف هذه الدول متزنة ومضبوطة الإيقاع. وقد قامت كل الدول المشاركة في القمة وكل من موقعها بإسماع صوتها وإرسال رسائل واضحة وصريحة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تلقفت الموضوع وعملت سريعاً على استيعابه. وهكذا فإن مصر أعربت عن رفضها لمخطط التهجير الإسرائيلي، ورفضت بشكل واضح وصريح توطين فلسطينيي غزة والقطاع في سيناء، وذلك أياً تكن الإغراءات المالية والتجارية والمساعدات العسكرية، فنظام السيسي وأياً تكن قوته ومنعته لا يستطيع من جهة إقناع المصريين بخطط إسرائيل التوسعية، ومن جهة أخرى فهو قد يخسر سمعته ودوره في كل الدول العربية والإسلامية إن تغاضى عن تنفيذ المخطط الإسرائيلي. وقد ذهب الرئيس السيسي إلى أبعد من ذلك، فقام بالتنسيق مع أردوغان بإجراء اوسع مناورات بحرية مصرية - تركية. أما الأردن فأعرب بدوره عن رفضه توطين فلسطينيي الضفة في المملكة، فالأردن الذي يشكو من ديمغرافيا متأرجحة ذلك نسبة لعدد الفلسطينيين المتزايد داخل النسيج الأردني، وهو إن تمكن في الماضي وفي العام 1970 بحسم الحرب الأهلية الأردنية بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الأردني بقيادة الملك حسين في معارك ضارية عرفت بمعارك " أيلول الأسود "، فإن الملك عبدالله الثاني لن يكون بمقدوره فرض الهدؤ في المملكة، سيما إذا تم توطين مئات الألاف من فلسطينيي الضفة فيها، الذين سيعملون على قلب النظام والسيطرة على الحكم. أما دول الخليج فإنها وبعد الاعتداء على الدوحة باتت أكثر قلقاً وبات التحالف مع باكستان النووية أمراَ أكثر من ملح وضروري للحفاظ على أمنها ودرء الأخطار الصهيونية.
ترامب يريد اكل العنب لا قتل الناطور
مع تزايد كل هذه الأخطار المحيطة بالدولة العبرية، وفي ظل شبح التحاق إيران بركب المدافعين عن دول الخليج التي تربطها بهم مصالح تجارية وغازية مشتركة في بحر العرب والخليج الفارسي، اتخذ ترامب القرار الشجاع، فهو في النهاية يريد الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة والسيطرة على منابع النفط والغاز فيها، فأميركا لا يمكن أن تتحمل تحولات جوهرية في السياسة العربية والخليجية، سيما وأن العملاق الصيني رابض على أبواب المنطقة جاهز لمد جسور التعاون التجاري والاقتصادي وحتى العسكري. ولم تزل صورة خروتشوف وعبدالناصر ماثلة أمام أعين مخططي السياسات الاستراتيجية الأميركية، فجمال عبد الناصر وبعد رفض أيزنهاور والبنك الدولي تمويل بناء السد العالي لجأ الريس إلى خروتشوف الذي أمن التمويل وقد أدى ذلك إلى أفول النفوذ الأميركي عن مصر وحلول نفوذ الاتحاد السوفييتي. فترامب لا يريد خسارة العرب كرمى لعيون نتنياهو وهو بالتالي تقدم بمبادرته الشهير لإحلال السلام في الشرق الأوسط وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من طريق بندين أساسيين:
1- إطلاق الرهائن المحتجزين لدى حماس في نطاق عملية تبادل كل الأسرى من كلا الجانبين.
2- وقف عمليات التهجير الفلسطيني في القطاع وغزة والضفة.
لبنان على خطى الحلول
بعد موافقة حماس والفصائل الفلسطينية على خطة ترامب، سارع حزب الله إلى إعلان موافقته وهذا يعني أن لبنان هوداخل مخطط السلام الشرق أوسطي. وأن ما يجري على غزة يجري على لبنان. فسلام لبنان يمر في غزة.
كاتب سياسي*