فاتن الحاج-
على مدار 30 عاماً، دأب كارتيل المدارس الخاصة على «مصّ دم» الناس عبر أقساط «جنونية»، تحت حماية قانون «فضفاض» (القانون 515/1996) يتيح للمدارس إعداد موازنات تقديرية لا ميزانيات، وعبر تغييب المجالس التحكيمية التربوية لحلّ النزاعات بين الإدارات المدرسية وأهالي التلامدة، رغم محدودية صلاحيات هذه المجالس.
الجنون ازداد هذا العام، عبر زيادات لامست 120% في بعض المدارس، بذريعة الالتزام بتطبيق قانون تغذية صندوق تعويضات المعلمين (الرقم 12/2025)، والمعدل بالقانون (الرقم 5/2025). إذ يوجب القانون التصريح عن الرواتب بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي في البند (أ) من الموازنة، ما يرفع في المقابل حصّة المدرسة في البند (ج) المتعلّق بالمصاريف التشغيلية، وينعكس بالتالي ارتفاعاً في الأقساط.
ووفقاً للقانون المعمول به حالياً، تتألّف الموازنة من أربعة بنود: أ - ب - ج - د. البندان (أ) و (ب)، يتعلّقان برواتب الأساتذة والموظفين وأعبائها من بدلات النقل واشتراكات الضمان وصندوق التعويضات والساعات الإضافية والتعويضات الإضافية، وقيمتها 65% من القسط، فيما يتّصل البند (ج)، بمصاريف المدارس من تأمين ومازوت وكهرباء وتعويضات أصحاب الإجازة واستهلاكات إدارية وتربوية.
أمّا البند (د)، فيتضمّن المنح لأبناء الموطفين غير الداخلين في الملاك والمكافآت التي تتخطّى 15%، ورسوم البلدية، والتعويضات عن السنة السابقة للضمان وللأساتذة.
مخالفات وتحايل ورشاوى
ووفقاً لمصادر خبيرة في إعداد الموازنات المدرسية، فإنّ القانون يحمي المدرسة ويعطيها الحرّية الكاملة في البند (ج)، حيث تضع الأرقام التي تريدها، على اعتبار أنّ الموازنة تقديرية ويصعب التدقيق فيها.
وهو ما يفرض تعديل القانون وإخضاع هذا البند إلى التدقيق من خبير محاسبة، مع البند (د). وتشير هذه المصادر إلى أنّ ما يجري حالياً، هو فرض المدارس لأقساط مبالغ فيها، عبر تضخيم الموازنة عبر إدراج رواتب خيالية لموظفين ومعلمين وهميّين، من بينهم أقرباء وتابعون لهيئات دينية.
هذه الموازنات يتمّ قبولها في «مصلحة التعليم الخاص» في وزارة التربية، بمجرّد أنها تراعي نسبة 65% و35%، من دون أي دراسة دقيقة لها وطلب المستندات اللازمة.
ويُذكَر أنّ خبير المحاسبة لا يستطيع أن يدقّق في هذه المبالغ، لأنّ هؤلاء غير خاضعين لسلسلة رتب ورواتب وقوانين، وإنما يتقاضون أجوراً، والأجر هو نوع من الاتّفاق بين طرفين. وعلى سبيل المثال، فإنّ إحدى المدارس أدرجت في موازنتها رواتب لـ 21 راهباً موجودين خارج لبنان، ورصدت 20 مليون ليرة لكل راهب (كان الدولار يوازي 1500 ليرة لبنانية)، ولم يتحرّك أحد لمحاسبتها.
كما تخالف مدارس بعدم تسجيل معلمات وموظفات متزوّجات من عاملين في السلك العسكري، في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يخفّف الأعباء عليها، لتعود وترفع الأقساط بشكل جنوني، وتجني أرباحاً طائلة.
وفي معظم الأحيان، تقدّم إلى «مصلحة التعليم الخاص» موازنات فيها خلل ومخالفات، بحيث تكون الإيرادات أعلى من النفقات، و«تُحفَظ في مكتب شقيق أحد المسؤولين في الوزارة، بعد تقاضي المبلغ المرقوم»، وفقاً لمصادر مطّلعة.
أمّا المخالفات في الأطراف، في عكار والبقاع والأرياف العالية في جبل لبنان، فهي أكثر فظاعة، وتؤكّد المصادر أنها «تحظى بغطاء من مصلحة التعليم الخاص». إذ تعمد مدارس تضمّ على سبيل المثال 1000 تلميذ، إلى تسجيل 15 أستاذاً فقط، من دون أن تصرّح عن البقيّة، لـ«تُقبَل الموازنات وتُخفَى في المكتب نفسه».
أمّا مزراب الربح الهائل للمدارس الخاصة والذي لا تصيبه التعديلات الجديدة المطروحة من اتّحادات لجان الأهل للقانون 515، ولا يسمح الكارتيل بالمسّ به، فهو المبالغ الضخمة التي يتقاضاها من خارج الأقساط والتي إذا أدخلت إلى الموازنة، ستؤدّي إلى خفض الأقساط حتماً.
ومن هذه الإيرادات ما يُجنى من الباص المدرسي والزّي المدرسي والكتب (القانون يمنع بيعها في المدرسة) والقرطاسية ودكان المدرسة... وغيرها. ورغم صدور استشارة قانونية تؤكّد وجوب إدراج كل هذه الإيرادات في الموازنة، وتحرّكات الأهالي في هذا الخصوص، إلّا أنّ هذا المطلب لم يتحقّق.
وعود غير كافية
من أبرز التعديلات المطروحة، توسيع دور لجان الأهل وإخضاع الموازنة بالكامل للتدقيق من خبير محاسبة مجاز، إلّا أنّ هذه التعديلات لا تزال مرفوضة من الكارتيل حتى الآن، ما يستدعي، وفقاً لمعنيين، أن تصوّب لجان الأهل معركتها وعدم تحييد «مصلحة التعليم الخاص» التي «تؤدّي دوراً ملتبساً في الموازنات والأقساط».
ويقول هؤلاء إنّ الحلول التي تبنّاها رئيس الجمهورية جوزاف عون، في لقائه الأخير مع اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة من تشكيل المجالس التحكيمية التربوية وتعديل القانون 515، لا تكفي لاستقامة الأمور، ما دام الكارتيل لا يزال يملك السلطة نفسها ويرفض المساس بأرباحه الفعلية.
أمّا حماية الأهل التي تعهّد بها عون، فهي من صلاحيات جهاز أمن الدولة، الذي «يجب أن يداهم أوكار الفساد في التعليم الخاص». ويسألون: «لا ندري لماذا يتغافل العهد عن الفساد في وزارة التربية، ويترك بعض الضباط الذين تربطهم علاقة مع الفاسدين في الوزارة يلاحقون كاشفي الفساد، بدلاً من محاسبة الفاسدين أنفسهم؟».