اكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، خلال مشاركته في القمة العربية الاسلامية التي عقدت في قطر للبحث في العدوان الاسرائيلي الاخير على الدوحة، ان الغاية من استهداف قطر لم يكن مجموعة أشخاص، بل مفهوم الوساطة ومبدأ الحلول بالحوار وتصفية فكرة التفاوض نفسها، و ترهيب من يبقى حياً وتخويفه وتعطيل إرادته، ودفعه إلى ما لا يريد فعله.
ورأى الرئيس عون ان الصورة بعد عدوان الدوحة باتت واضحة جلية، وأن التحدي المطلوب رداً عليها، يجب أن يكون بالوضوح نفسه.
ودعا الى ان يطرح العرب في الجمعية العامة للامم المتحجة المرتقبة في نيويورك، السؤال التالي: هل تريد حكومة اسرائيل، أي سلام دائم عادل في منطقتنا؟ وقال: "إذا كان الجواب نعم، فنحن جاهزون. ولنجلس فوراً برعايةِ المنظمة الأممية وكل الساعين إلى السلام، للبحث في مقتضيات تلك الإجابة. وإذا كان الجواب لا، أو نصف جواب أو لا جواب، فنحن أيضاً راضون. فندرك عندها حقيقة الأمر الواقع، ونبني عليه المقتضى."
كلمة الرئيس عون
وفي ما يلي نص الكلمة التي القاها الرئيس عون باسم لبنان:
"أخي صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، رئيس دولةِ قطر الشقيقة،
إخوتي أصحابَ الجلالة والسمو والفخامةِ والسيادة، رؤساءَ الوفودِ المشاركة في هذه القمة الاستثنائية،
إسمحوا لي أن أخاطبَكم بكلامٍ مباشرٍ ومقتضب. لأنّ الظرفَ والمأساةَ لا يحتملان غيرَ ذلك. فنحن لم نأتِ إلى هنا لنتضامنَ مع دولةٍ شقيقة. نحن هنا، باسمِ لبنان، كلِ لبنان، لنتضامنَ فعلاً وعمقاً، مع أنفسِنا.
أولاً، لأننا تعلّمنا بالألمِ والدم، أنّ الاعتداءَ على أيِ شقيق، هو اعتداءٌ علينا بالذات.
ثانياً، لأنّ الشقيقَ المعنيَ بالاعتداءِ اليوم، هو قطر، وهي ليست فقط بلداً شقيقاً، ولا بلداً آخر، بل هي في قلبِ القلب، مكاناً ومكانةً، ودوراً ورسالةً.
أما ثالثاً، فلأنه كما يؤكدُ علمُ مكافحةِ الإرهابِ والجريمةِ المنظمة، ففي أيِ اعتداءٍ إرهابي، لا تكونُ الضحيةُ المباشرة هي الهدف فعلاً، بل مجردَ وسيلة، فيما الهدفُ الحقيقي هو من يكون شاهداً على الاعتداء أو ناجياً منه. لأنّ الغايةَ المُبيّتة لأيِ عملٍ إرهابي، ليست تصفيةَ الضحية، بل ترهيبُ من يبقى حياً وتخويفُه وتعطيلُ إرادتِه، ودفعُه إلى ما لا يريدُ فِعلَه. لذلك نقولُ اليوم، انّ المستهدفَ الحقيقي في العداونِ الأخير على الدوحةِ الحبيبة، لم يكنْ مجموعةَ أشخاص، بل مفهومُ الوساطةِ ومبدأ الحلولِ بالحوار. لم يكنْ هدفُ الاعتداء، محاولةَ اغتيالِ مفاوضين. بل تصفيةُ فكرةِ التفاوضِ نفسِها، ولذلك اختاروا دولةَ قَطَر الشقيقة موقعاً للاعتداء. لأنها ليست مجرّدَ قُطرٍ، بل قاطرةُ حوارٍ ولقاءٍ وسلام .وهذه هي القيمُ التي قصدَ العدوانُ اغتيالَها وتصفيتَها.
نعرفُ جميعاً أنّ نُذُراً من ذلك السلوك، نعيشُه كلَ يوم، بضربِ الأطفالِ الجياعِ في غزة، وقصفِ المدنيين العُزّل في سوريا، واستهدافِ الأبرياءِ في لبنان. لكنّ الرسالةَ عبرَ الاعتداءِ على قَطر، كانت أكثرَ وضوحاً وسُفوراً.
بناءً عليه، أعتذرُ منك، أخي سمو الأمير تميم، ومنكم إخوتي رؤساءِ الوفود، عن عدمِ تكرارِ مفرداتِ الإدانة ولازماتِ التنديدِ والشجب، فهذه قد ملأت تاريخَنا وحاضرَنا، حتى باتت تثيرُ السأَمَ في نفوسِ شعوبِنا، أو أكثرَ من السأم. أنا هنا لأقول، استناداً إلى ما سبق، بأنّ الصورةَ بعد عدوانِ الدوحة، باتت واضحةً جلية، وأنّ التحدي المطلوبَ رداً عليها، يجب أن يكونَ بالوضوحِ نفسِه. فنحن بعد أيامٍ على موعدٍ مع الجمعيةِ العمومية للأممِ المتحدة في نيويورك، حيثُ يلتئمُ كلُ العالمِ الساعي إلى السلام. فلنذهبْ إلى هناك بموقفٍ موحّد، يجسّدُه سؤالٌ واحد: هل تريدُ حكومةُ اسرائيل، أيَ سلامٍ دائمٍ عادلٍ في منطقتِنا؟ إذا كان الجوابُ نعم، فنحن جاهزون وفقاً لمبادرة السلام العربية التي طرحتْها المملكة العربية السعودية الشقيقة في قمةِ بيروت عام 2002، وتبنّتها جامعتنا العربية بالإجماع، وهي تلقى تأييدًا دوليًا واسعًا بدأ يترجمُ من خلال اعتراف دول عدَّة بدولة فلسطين، وخير دليل على ذلك، الإعلان الذي صدرَ منذ أيّام عن الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة بأغلبيّة ساحقة، تحت مسمّى “إعلان نيويورك”، وذلك نتيجة جهد دؤوب من المملكة العربيّة السعوديّة الشقيقة وفرنسا الصديقة، والذي يحدد خطواتٍ ملموسةٍ ومحددة زمنياً ولا رجعة فيها نحو حل الدولتين. ولنجلسْ فوراً برعايةِ المنظمة الأممية وكلِ الساعين إلى السلام، للبحثِ في مقتضياتِ تلك الإجابة. وإذا كان الجوابُ لا، أو نصفَ جوابٍ أو لا جواب، فنحن أيضاً راضون. فندركَ عندها حقيقةَ الأمرِ الواقع، ونبني عليه المقتضى. علّنا نوقفُ على الأقلّ سلسلةَ الخيبات، حيالَ شعوبِنا وأمامَ التاريخ.
أقولُ هذا، مقروناً بأصدقِ الدعاء، لبلدانِنا وشعوبِنا ومنطقتنا بكلِ الخيرِ والسلام."