صلاح سلام -
لم يعد السؤال المطروح: هل يتقدّم الحل العسكري على الخيار الديبلوماسي؟ بل كيف تمضي إسرائيل في دفع لبنان والمنطقة إلى حافة الانفجار الشامل، تحت غطاء أميركي مفضوح؟ فالغارات الإسرائيلية المكثفة التي طاولت النبطية والهرمل ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل الاعتداءات التي تضرب عرض الحائط بالقرار 1701 وباتفاق وقف العمليات العسكرية، فيما يلتزم لبنان بجميع تعهداته، ويُترك وحيداً في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
إن إصرار تل أبيب على استخدام فائض قوتها الجوية والعسكرية لم يعد مجرد «رسائل ضغط»، بل هو مشروع حرب مكتملة الأركان. فهي تسعى إلى فرض معادلة جديدة بالقوة، تعوّض عجزها السياسي والديبلوماسي، وتعيد فرض شروطها على لبنان. لكن الأخطر هو عودة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى إدارة الملف اللبناني، مع أجندة مكشوفة تعطي الأولوية للأمن على حساب السياسة، وتعيد تعويم لجنة المراقبة الدولية عبر تعيين قائد أميركي جديد لها، في خطوة تكشف النية الصريحة لتحويل لبنان إلى ساحة اختبار للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي.
أليس من المفارقة أن يُعاقَب لبنان الذي إتخذت حكومته قرارات كبيرة لإستعادة السيادة الوطنية على كامل الأراضي اللبنانية، وأكدت مراراً الإلتزام بالشرعية الدولية، فيما تُكافأ إسرائيل على خروقاتها اليومية للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً؟ أليس من المعيب أن يُختزل الملف اللبناني كله بالهاجس الأمني الإسرائيلي، بينما تبقى مناطق لبنانية تحت الاحتلال، ويُحرم لبنان من أي ضمانة جدية لوقف الاعتداءات؟
إن هذا النهج الأميركي – الإسرائيلي لا يفتح باب الحل، بل يضع لبنان أمام مأزق وجودي جديد. فالتجارب علمتنا أن القصف والتدمير لا يرسمان حدوداً آمنة، بل يزيدان الأمور تعقيداً. وكل رهان على أن لبنان سيتراجع أمام الضغط العسكري هو رهان أعمى، يتجاهل طبيعة هذا البلد وشعبه الذي لا يعرف إلا الصمود عند المحن.
الانفجار وشيك إذا استمرت واشنطن في سياسة الانحياز المطلق، وإذا مضت إسرائيل في خيار الحرب. لكن المسؤولية الدولية واضحة: إما فرض احترام القرارات الدولية على إسرائيل، وإما الانزلاق إلى مواجهة جديدة سيدفع ثمنها الشرق الأوسط كله.