حبيب البستاني*
يعيش اللبنانيون هذه الأيام على وقع التهديدات والإشاعات، وبات المواطن أسير ما يقال وما يسمع سيما وأنه لا يملك ترف الوقت للتحليل والبحث لتبيان الصح من الخطأ، فهو غارق في مشاكله اليومية التي ازدادت بفعل بدء العام الدراسي، وما يحمله من تكاليف باهظة تجاوزت قدرته على التحمل. وما زاد في الطين بلة أن مطلقي هذه الإشاعات هي وسائل إعلامية وأقلام صحفية وشخصيات سياسية، اجتمعوا على بث كل ما من شأنه توتير الأجواء، وهم في حملاتهم المغرضة باتوا يستعينون بالأخبار الكثيرة المتواجدة على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي وما أكثرها، ولم يكن ينقصهم سوى الذكاء الاصطناعي لتجميل أخبارهم وجعلها أقرب ما يكون إلى الواقع والحقيقة. ففي الأسبوع المنصرم كان يوم الجمعة هو الموعد الأبرز، كونه موعد جلسة مجلس الوزراء والتي تم استغلالها إلى أبعد الحدود، وراح المغرضون يجزمون بأن الجمعة سيكون يوم الجمعة العظيم الذي سيتخلله انفجار الأوضاع وذلك نسبة للخلافات المستحكمة بين أفرقاء مجلس الوزراء، والتباين الحاصل بين الثنائي الشيعي وبقية الأطراف حول موضوع حصر السلاح والخطة التي سيتقدم بها قائد الجيش، والتي وبحسب زعم هؤلاء ستتضمن تحديد مهل زمنية لا سيما تحديد ساعة الصفر. وقد كان لهذه الإشاعات فعلها فغاب رواد المطاعم والمنتجعات السياحية لا سيما عن المناطق الواقعة جنوب العاصمة، وتسمر معظم اللبنانيون في منازلهم وأمام الشاشات لمتابعة وقائع الجلسة "المفصلية"، وكما هو معلوم مضت الجلسة وما رافقها من اعتراضات وخطوات بقيت في إطار الممارسة الديمقراطية، فالانسحاب الشيعي المدروس والمدوزن لم يخرج عن إطاره المنضبط وبقي الشارع هادئاً إلى حد كبير، ومرق القطوع على حد تعبير رئيس المجلس النيابي.
البلد يهتز ولا يقع
وقد علق أحد الظرفاء قائلاً "البلد يهتز ولا يقع" إذ إننا وبالرغم من كل الأزمات وبالرغم من كل المصاعب تبين للجميع أن لا أحد في البلد يريد ان يذهب إلى حد المواجهة، وأن الحرب الأهلية هي اضغاث أحلام تراود ربما بعض السياسيين الذين يعتقدون بأن لباس الكشافة والمشية العسكرية "marche militaire " تجعل منهم قوة عسكرية بإمكانها خوض المعارك، وكأني بهم يحنون إلى أيام نشأة الكتائب الأولى التي بدأت كمجموعة كشافة بثياب موحدة، تسير بمشية تشبه إلى حد بعيد الشبيبة الهتلرية التي كانت تسير على وقع موسيقى Wagner والتي كانت تُعرف ب "marche impériale ". إذن لا أحد يريد العودة إلى الحرب الأهلية لأنه وبكل بساطة من يقدر على خوضها لا يريد أما العاجزون فيهللون لها.
حصر السلاح بيد الدولة الكل يريده ولكن
بالرغم ما يقال عن رفض حزب الله لحصرية السلاح، فإن هذا الأخير أبدى مرونة كبيرة وواقعية في مقاربة هذا الموضوع، فللمرة الأولى يربط الحزب موضوع البحث بمستقبل السلاح بأمور داخلية مئة في المئة، فلم يعد الحديث عن الالتزام الفلسطيني والجبهة الشيعية الممتدة من إيران إلى العراق وسوريا فلبنان وصولاً إلى القدس هي النقطة المحورية. فبعد سقوط دول محور الممانعة باتت كل دولة تبحث عن مصلحتها، وحزب الله يبحث عن مصلحته ومصلحة شعبه التي تقضي بتطبيق القرار 1701، واستعادة الأسرى وانسحاب العدو من التلال الخمس والاعتراف بخط الحدود الجنوبية، مع ما يستتبع ذلك من حرية استخراج الغاز والموارد النفطية وصولاً إلى إعمار الجنوب لا سيما القرى الحدودية المتاخمة لإسرائيل.
أكل العنب أم قتل الناطور؟
في الوقت الذي يبحث فيه الجميع عن كيفية حصر السلاح، والذي وضعت له قيادة الجيش الآلية التقنية والتنفيذية والتوزيع المناطقي، بحيث قُسم التنفيذ على مراحل خمس تبدأ أولاً بجنوب الليطاني وثانياً بين الليطاني والأولي وثالثاً بيروت الإدارية ورابعاً البقاع وخامساً كل المناطق الباقية، على أن يكون السلاح الفلسطيني من ضمن هذه الخطة وذلك بحسب تواجده المناطقي، وفي الوقت الذي يتمسك فيه الحزب بأن يكون هذا الأمر من ضمن الاستراتيجية الدفاعية أو ما يُعرف باستراتيجية الأمن الوطني، يتمسك بعض الصقور بضرورة تنفيذ الحصر ولو بالقوة وهم يسعون لذلك بالتنسيق مع شركائهم الخارجيين. وهنا تبرز المعادلة الشهيرة هل المطلوب هو أكل العنب أم قتل الناطور؟ فإذا كان حصر السلاح هو المطلوب فلماذا الاستمرار بمنطق التهديدات والإشاعات؟
كاتب سياسي*