خاص tayyar.org -
بالإمكان مقاربة المشهد السياسي المتصل بخطة الجيش من زاوية مختلفة تماماً عن المتداول. إذ إنّ الجدل الدائر لا يتصل حصراً بملف السلاح، بل يعبّر عن اختبار جديد لمعادلة الحكم والتوازن بين المؤسسات الدستورية والقوى السياسية. فالقضية تحوّلت مقياساً لمدى قدرة الدولة على فرض أولوياتها، مقابل حدود النفوذ الذي يفرضه الثنائي الشيعي داخل السلطة التنفيذية.
اللافت أنّ النقاش لم يعد حول مضمون الخطة أو تفاصيلها التقنية، بل حول ما إذا كان يحق للحكومة أصلاً أن تدخل في هذا الملف في ظل غياب توافق وطني شامل. فالبعض يرى أنّ إصرار رئيس الحكومة نواف سلام على إدراج الموضوع على جدول الأعمال يهدف إلى تكريس صورة الدولة القادرة على المبادرة، حتى وإن لم تُترجم النتائج عملياً. في المقابل، يتعامل الثنائي مع أي نقاش رسمي باعتباره اعترافاً ضمنياً بشرعية قرار لا يعترف به، وهو ما يفسر التوتر المسبق حيال الجلسة.
من هذا المنطلق، يشكّل اجتماع الحكومة اليوم ساحة اختبار لمقاربة جديدة تقوم على ما يسميه بعض الأوساط بـ”الغموض البنّاء”. فبدلاً من مواجهة مفتوحة تنتهي بانسحاب الثنائي أو بإحراج الجيش، يجري البحث في صيغة وسطية تتيح إقرار الخطة بشكل مبدئي، لكن من دون الالتزام بتوقيت صارم للتنفيذ. هذه الصيغة، وإن بدت هشة، توفر مخرجاً سياسياً يجنّب الحكومة الانفجار الداخلي، وتمنح كل طرف فرصة الادعاء بأنه لم يتنازل عن ثوابته. فالجيش يعرض خطته ويحتفظ بدوره المؤسسي، فيما يحافظ الثنائي على موقفه الرافض لأي شرعنة زمنية، وتُسجَّل للحكومة نقطة في إدارة الأزمة عبر اعتماد مرونة لفظية تسمح بتمرير الجلسة.
وعليه، يبرز البعد الرمزي أكثر من البعد التنفيذي: فالخطة، مهما كانت مراحلها، لن تجد طريقها إلى التطبيق من دون قرار سياسي جامع. لذلك، فإن ما ينتظر اللبنانيين ليس نتائج آنية، بل رسم حدود جديدة بين الدولة والقوى الفاعلة، في معركة تبدو طويلة المدى، حيث يُترك للزمن وحده أن يكشف مدى صلابة المواقف أو قابليتها للتسوية.