خاص tayyar.org -
تبدو زيارة الموفد الرئاسي الأميركي توم براك إلى بيروت اختباراً لنموذج أميركي يريد إدارة الاشتباك لا حسمه. الفكرة الجوهرية هي مقايضة متعددة المسارات: تهدئة مضبوطة على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية مقابل فتح ممر تفاوضي مع دمشق يخفف ضغط الجبهات المحيطة بغزة ويمنح واشنطن وقتاً لإعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية. بهذا المعنى، يتحول الملف اللبناني من ساحة ارتدادية للحرب إلى منصة هندسة أمنية متدرجة تُقاس بالمكاسب الصغيرة المتراكمة لا بالاختراقات الكبرى.
تميل إسرائيل، المثقلة بكلفة حرب طويلة، إلى “وقف نار إداري” في الشمال يثبت الردع من دون الانجرار إلى استنزاف مفتوح. لكن الترجمة العملية لأي تفاهم تصطدم مباشرة بالعقدة اللبنانية: سلاح حزب الله وما يترتب عليه داخلياً وإقليمياً. وفي المسار السوري، تعقّد هشاشة البنية الانتقالية وتعدد الوصايات الإقليمية إمكان تثبيت ترتيبات قابلة للاستمرار.
يقوم رهان واشنطن على إدارة زمنين: قصير يحصر المخاطر ويمنع الانفجار، وطويل يهيئ لبنية تطبيع أوسع. أما نجاح الرهان فمرهون بقدرتها على إلزام تل أبيب بسلال تفاهمات ملموسة، وإقناع بيروت ودمشق بمسار تدريجي يُطمئن الهواجس ولا يطيح توازنات الداخل.
ما يُبنى اليوم ليس صفقة نهائية، بل إطار لإدارة تناقضات المشرق على البارد، حيث تُقاس السياسة بقدرتها على تقليص الخسائر قبل جني الأرباح.