HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

تفكك التوازن التقليدي بين الدولة و"الحزب"!

9
AUGUST
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

أنطوان الأسمر-


عُدّ إقرار الحكومة أهداف الورقة الأميركية المتعلقة بإعادة تنظيم المشهد الأمني والعسكري في لبنان، وعلى رأسها بند حصرية السلاح بيد الدولة، خطوة مفصلية سيكون لها ارتدادات واسعة داخليًا وخارجيًا.
هذا القرار، بقدر ما يحمل في طياته بعدًا سياديًا، بقدر ما يكشف أيضًا هشاشة التوافق الوطني في ظل تغيّب الوزراء الشيعة عن الجلسة، مما يجعله قرارًا محاطًا بعلامات استفهام أكثر منه نقطة إجماع وطني.
اللافت في ما جرى ليس فقط ما تضمّنته الورقة الأميركية، بل الطريقة التي أُقرت بها: غياب مكوّن سياسي أساسي، اعتراض شعبي سريع من “حزب الله”، وردود فعل دولية مرحّبة بدت كأنها على عجلة من أمرها لتكريس هذا التوجّه الجديد قبل أن يُجهض من الداخل.
يعكس هذا التباين في ردود الفعل حقيقة أن القرار الحكومي، رغم طابعه الرسمي، يعبّر في جوهره عن انقسام بنيوي في مقاربة مفهوم الدولة، السيادة، ودور السلاح.
استند رئيس الحكومة نواف سلام في تمرير القرار إلى دعم غربي واضح، لا سيما من واشنطن وباريس، مما أعطاه هامشاً للمناورة، وربما غطاء سياسياً ودبلوماسياً مكّنه من تجاوز الفيتو الداخلي. إلا أن هذا الدعم، على أهميته، لا يلغي أن الداخل اللبناني يبقى الساحة الفعلية لاختبار القرارات الكبرى، خصوصاً عندما تتعلق بموقع “حزب الله”، الذي لا يزال يشكل محوراً أساسياً في معادلة القوة والسيطرة، ليس فقط على المستوى الأمني، بل على المستوى السياسي والاجتماعي أيضاً.
يستدعي التعبير الميداني الذي اتخذه الحزب مباشرة بعد الجلسة، عبر مسيرات شعبية وشعارات تهديدية، العودة إلى مشاهد ٧ أيار ٢٠٠٨، عندما خرج الحزب إلى الشارع ليؤكد أن تجاوز “الخطوط الحمراء” في ما يتعلق بسلاحه لا يمكن أن يمر مرور الكرام. اللافت أن تلك الرسائل جاءت هذه المرة في ظل مناخ إقليمي ودولي مختلف، حيث تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها عازمين على فرض خريطة سياسية جديدة في لبنان، عنوانها إنهاء الازدواجية في القرار الأمني، وتقييد دور الحزب داخل الحدود الرسمية للدولة.
من المؤشرات البارزة على طبيعة الصراع المستجد، برز موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سارع إلى إعلان رفضه لبنود الورقة الأميركية، معتبرًا أنها تمس السيادة الوطنية. هذا الموقف لا يُقرأ فقط كمجرد تضامن سياسي مع “حزب الله”، بل يعبّر عن رفض واضح لتحوّل بنيوي في قواعد اللعبة الداخلية. فبري، الذي طالما لعب دور الوسيط في الأزمات الوطنية، قرّر هذه المرة الاصطفاف في جبهة الرفض، مما يعني أن المواجهة مرشحة للتمدد من الشارع إلى المؤسسات، بما فيها المجلس النيابي.
يُنذر هذا الانقسام العمودي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبين مكونات الحكومة نفسها، بمأزق دستوري وسياسي، يُخشى أن يعطّل مفاعيل القرار الحكومي، أو على الأقل يفرغه من مضمونه التنفيذي.
في خلفية المشهد، تلوح زيارة مرتقبة للموفد الرئاسي الأميركي توم براك إلى بيروت، حيث يُتوقع أن يضغط من أجل تثبيت التزامات الحكومة، وفتح الباب أمام مرحلة تنفيذية للورقة. يضع هذا التطور الحكومة أمام امتحان مزدوج: أولاً، القدرة على الحفاظ على قرارها في وجه الرفض الداخلي؛ وثانياً، إدارة التوازن الدقيق بين المتطلبات الأميركية من جهة، والتعقيدات السياسية والمجتمعية اللبنانية من جهة ثانية.
فالورقة الأميركية، لا تقتصر على مطلب نزع السلاح، بل تتضمّن أيضًا بنودًا تطالب إسرائيل بوقف انتهاكاتها وانسحابها من الأراضي المحتلة. وهذا البعد، إذا تم تثبيته، يمكن أن يمنح الحكومة بعض الغطاء الوطني، لكنه لا يكفي وحده لتبديد الهواجس العميقة لدى شريحة من اللبنانيين ترى في القرار محاولة لفرض إرادة خارجية على حساب توازنات داخلية هشّة.
المحصلة أن لبنان دخل مرحلة جديدة عنوانها الصدام المؤجل. فإقرار أهداف الورقة الأميركية لا يعني بالضرورة تنفيذها، كما أن رفض “حزب الله” لا يعني بالضرورة الانفجار الفوري. كل ذلك يعني أن ثمة سباقا دقيقا بين الزمن السياسي والزمن الميداني، حيث تسعى الحكومة إلى تكريس التزاماتها الخارجية، فيما يسعى الحزب إلى إعادة رسم حدود اللعبة الداخلية.
تأسيسا على دلك، يقف البلد أمام مفترق خطير: إما أن يشكل هذا القرار لحظة تأسيس فعلية لدولة تحتكر السلاح والسيادة، وإما أن يتحول شرارة مواجهة جديدة قد تعيد خلط الأوراق داخليًا وتضع لبنان مجددًا في عين العاصفة الإقليمية.
بكلمات أوضح، قرار الحكومة ليس مجرد “تبنّي أهداف”، بل هو بداية مسار طويل وشاق، سيتحدد مساره وفقًا لمدى قدرة الدولة على ممارسة سلطتها بفعالية، ومدى استعداد الأطراف المعترضة على التنازل عن مكتسبات سلّمت بها طوال سنوات، وربما عقود.

MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING