الديار: رضوان الذيب-
قلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "اظافر" بوغدانوف من الملفين اللبناني والسوري، وهناك من يقول انه اقصاه من وظيفته كممثل لروسيا في افريقيا والشرق الاوسط. بوغدانوف "جنبلاطي الهوى" في كل تقلباته ومواقفه، وشخصية معروفة في الاوساط الدرزية و"الاشتراكية"، منذ ان كان مستشارا في السفارة السوفياتية عام 1982، وكلف بالعلاقة مع الحزب "الاشتراكي"، وتأمين ما يريده الدروز في حرب الجبل من قبل الرئيس اندربوف يومذاك، الذي اعاد امجاد القياصرة الى المنطقة.
ساهم بوغدانوف في فتح جسر جوي لنقل الاسلحة من الاتحاد السوفياتي الى "الاشتراكي" والدروز عموما للصمود في حرب الجبل، والتصدي للمارينز ونيوجرسي. وكان يتنقل بين القرى الجبلية وانشأ صداقات كثيرة، وارتبط بصداقة عميقة مع الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي".
المشكلة حسب مصادر مطلعة على الملف، ان التشكيك في بوغدانوف وسياساته كان يحكم معظم القوى الوطنية، والعديد من الشخصيات السياسية، حيث رفعوا التقارير الى السفارة الروسية في بيروت عن اخطائه دون نتيجة، واتهم خلال الثورة بانه وقف الى جانب قوى 14 آذار وسوّق لها. وتبقى الطامة الكبرى عدم ثقته بنظام الرئيس بشار الاسد، والتحريض عليه في كل المناسبات، حيث سادت الخلافات معظم لقاءاته مع الاسد، وكان حازما في مواقفه ضده.
والاخطر ان بوغدانوف اقنع وزير الخارجية الروسي لافروف باخطاء الرئيس السوري وعجزه واستحالة حكم سوريا بشخصه.
وفي عام 2014 حاول الايرانيون الدخول لتقريب المسافات، ولم يتمكنوا من تغيير الامور، وعندها دخل الشهيد قاسم سليماني على الخط، وسافر الى موسكو واقنع بوتين ضرورة التدخل العسكري في سوريا. ونقل سليماني الى المسؤولين السوريين حجم الملاحظات الروسية على أداء الرئيس السوري، ولا بد من فتح قنوات جديدة لمعالجة الامور. ومع دخول القوات الروسية والتبدلات على الارض، فتح الاسد وبوتين قنوات جديدة بينهما دون المرور ببوغدانوف. وعين بوتين موفدا شخصيا له الى دمشق حيث تولى الاتصالات، وتحسنت العلاقات حتى بدء الهجوم الروسي على اوكرانيا وفشله، مما ترك تداعيات سلبية على سوريا والجبهات العسكرية .
وعاد نجم بوغدانوف الى قوته، وساهم باقناع القيادة الروسية بوضع حد للحكم في سوريا بالتنسيق مع الجنرالات الروس في حميميم، وضباط كبار كانوا الى جانب الاسد وتخلوا عنه، ودخل الجولاني من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الروسي في حلب، الذين انسحبوا منها دون قتال، وكان الاتراك على علم مسبق بالتطورات العسكرية، مع ضرورة عدم الاصطدام بالمستشارين الإيرانيين. وحصل بعدها ما حصل من مؤمرات واخذ القرار باسقاط الاسد، بتنسيق روسي - تركي – "اسرائيلي" – قطري، وغض نظر اميركي وموافقة سعودية- اماراتية عندما لم يتمكنا من تغيير القرار .
وحسب المعلومات، تقوم الإدارة الروسية حاليا وبتكليف من بوتين، بدراسة التطورات واعادة تقييم ما جرى في هذه المنطقة الاستثنائية بالتطورات السياسية في العالم
. فهل بدأ بوتين يشعر حاليا بمدى الخطأ الذي ارتكبه بالتخلي عن ورقة الاسد، وانه خالف تعاليم كاترين الثاني احدى قياصرة روسيا العظام، التي قالت "من يحكم سوريا يحكم العالم، وسوريا يجب ان تكون مفتاح بيت روسيا الى المياه الدافئة، والمفتاح يجب ان يحفظ بالعب".
فسوريا اليوم ترسم على أرضها كل سياسات العالم، فيما خسرت روسيا كل اوراقها بسهولة مطلقة، جراء المناكفات والمزايدات؟ خرجت من فلسطين وليس لها أي اثر في المفاوضات، تحاول الدخول في الملف الإيراني ولم تقدم اي مبادرات. قدمت التنازلات في اكثر من ملف، وهذا ما دفع اميركا الى زيادة ضغطها، والعمل بكل الوسائل عل تأمين طرق نقل للغاز من اذربيجان إلى أوروبا عبر شمال سوريا .
هل يعقل ان تخسر روسيا الورقة الدرزية بهذه السهولة ؟ والجميع يعلم مدى العلاقة التي كانت تربط كمال جنبلاط بالرؤساء الروس، الذين قدموا كل شيء من السلاح والمنح التعليمية، وهناك "مصاهرة" منتشرة في معظم مناطق الجبل بين شباب من الجبل ونساء روسيات، 90% من الاطباء والمهندسين الدروز خريجون من الاتحاد السوفياتي، كما يوجد اليوم اكبر لوبي درزي في موسكو. هذا المسار كان ينطبق ايضا على دروز سوريا في ظل علاقات متينة، حتى الشيخ موفق ظريف كان يزور روسيا ويبحث العلاقات معها، لكن الورقة الدرزية طارت بقدرة قادر من روسيا الى "اسرائيل"، واليوم في يد اميركا جراء الانسحاب الروسي من سوريا بهذه الطريقة التي طار معها بوغدانوف .
وفي المعلومات، ان اجتماعات تعقد في موسكو للدول العميقة الصديقة لروسيا، وفي حضور نخب ماركسية وقومية عربية وافريقية، لدراسة ما حدث وكيفية استعادة المبادرة. وقد توصل المجتمعون الى مكامن الخلل والأخطاء والفساد واستبعاد المتورطين، ووضعت خطط هجومية لاستعادة المبادرة، وتكليف إداريين وديبلوماسيين روس على مستوى المرحلة، بعد ان كان الأداء الديبلوماسي هو الأضعف في سوريا وفي معظم دول العالم في السنوات الاخيرة. فهل يكون الساحل السوري النقطة الرخوة للتدخلات المستقبلية؟