في ظل اشتداد الضغوط السياسية والقضائية، يبرز التيار الوطني الحر كأحد أبرز الأحزاب التي اختارت نهج المواجهة الشفافة والمسؤولة، رافضًا الانجرار إلى الخطاب الشعبوي أو لغة التحدي الفارغ، ومتمسكًا بخيار بناء دولة القانون والمؤسسات، حتى وهو يتعرض لأشد حملات الإقصاء والتهميش، التي تهدف إلى عزله عن المعادلة الوطنية.
منذ العام 2005، واجه التيار الوطني الحر موجات متلاحقة من الحملات السياسية، إلا أن المرحلة الراهنة تُعد من أعقد المراحل، نظرًا لتداخل الملفات القضائية مع الصراع السياسي، ولما يُثار من شبهات حول توظيف القضاء لأهداف سياسية، سواء من خلال الاستنسابية في فتح الملفات أو من خلال التركيز على رموز من التيار دون غيرهم.
رغم المناخ السياسي المتوتر، لم يرفض التيار المثول أمام أي جهة قضائية، بل كان أول من دعا إلى رفع السرية المصرفية عن مسؤوليه، وأول من طالب بتحقيقات مالية شاملة تطال الجميع بلا استثناء. كما عبّر مراراً عن رفضه للتسييس في القضاء، معتبراً أن العدالة تفقد معناها إذا استُخدمت لتصفية الخصوم أو لتلميع صورة البعض على حساب القانون.
في مقابل هذا الالتزام، تعرّض التيار لمحاولات تضييق سياسي واضحة، اتخذت أشكالاً متعدّدة:
شيطنة إعلامية ممنهجة، تهدف إلى تشويه صورته أمام الرأي العام.
استهداف قضائي انتقائي لبعض رموزه، في حين يُغضّ النظر عن ملفات ثقيلة لخصوم سياسيين.
إقصاء من مراكز القرار أو محاولة عزله عن التمثيل الطبيعي الذي يحظى به شعبياً.
هذه الأساليب لا تعبّر فقط عن إفلاس خصوم التيار، بل تكشف حجم القلق الذي يثيره حضوره الفاعل ومشروعه الإصلاحي الجدي.
لكن التيار لم يتوارَ خلف الجدران، بل خاض المواجهة بمسؤولية، واعتمد الشفافية كمنهج، مُرحبًا بأي تحقيق عادل وشفاف، ورافضًا أن يتحول القضاء إلى أداة ابتزاز أو تصفية حسابات. وقد عبّر التيار مرارًا عن دعمه لقيام قضاء مستقل ونزيه، بعيدًا عن تأثير المنظومة السياسية التي تدّعي الطهرانية وتختبئ خلف شعارات براقة.
وفي الزمن تُحاك فيه حملات التضليل الإعلامي وتُلفّق فيه الملفات، أدرك التيار الوطني الحر أن الشفافية هي خط الدفاع الأول. لذلك، حرص في أكثر من محطة على تقديم مواقف واضحة للرأي العام، والردّ بالوقائع والمعطيات على كل اتهام، مع التأكيد على مبدأ المحاسبة والمساءلة، ولكن ضمن إطار قانوني لا انتقامي.
لم يسعَ التيار إلى تبرئة أي شخص على حساب الحقيقة، لكنه رفض أيضًا سياسة الكيل بمكيالين. فهل من العدالة أن يُفتح ملف دون غيره؟ وهل من المنطق أن يُلاحق التيار فيما تُقفل ملفات الهدر الكبرى التي يعرفها كل اللبنانيين؟
بالرغم التحديات، لم يتراجع التيار عن مشروعه الأساسي: بناء الدولة. وهي الدولة التي يحلم بها اللبنانيون، حيث تسود المواطنة لا الزبائنية، وحيث يكون القانون هو المرجعية، لا التسويات والمحاصصات.
في هذا السياق، يعمل التيار على إعادة تعريف دور المؤسسات، وتفعيل الرقابة والمساءلة داخل الإدارة، وربط عملية الإصلاح بتغيير فعلي في بنية النظام القائم على المحسوبيات. كما يسعى إلى بناء نموذج حوكمة حديث، يتكئ على اللامركزية، ويعطي للمناطق حقوقها في التنمية والتوازن.
ما يواجهه التيار اليوم من محاولات إقصاء سياسي لا يُقرأ بمعزل عن المشروع الوطني الذي يحمله. فهناك من يسعى إلى تحجيم دوره في المعادلة الوطنية، إما عبر عزله عن مراكز القرار، أو عبر التضييق على جمهوره وبيئته.
لكن التيار اختار المواجهة السلمية والدستورية، رافضًا الانجرار إلى الفوضى، ومتمسكًا بحقّه التمثيلي الذي أكدته صناديق الاقتراع، وبالشراكة الوطنية الكاملة، التي لا يمكن لأحد أن يصادرها أو يختصرها.
نحن، في التيار الوطني الحر، لا نختبئ خلف الشعارات، ولا نحتمي بحصانات أو تحالفات. مثُلنا أمام القضاء طوعاً، وطلبنا فتح التحقيقات، ودعونا إلى تعجيل إصدار الأحكام، لا إلى تمييعها أو تسييسها. ومع ذلك، لا يمكننا إلا أن نُسجّل بمرارة، أن بعض القضاء لم يعُد ميزان عدالة، بل بات أداة تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية.
في ظل الانهيار المالي، وتفتت الدولة، واشتداد النزاعات الطائفية والسياسية، يصرّ التيار الوطني الحر على أن يكون جزءًا من الحل، لا من الأزمة. ويؤكد أن مقاومة التهميش لا تعني السقوط في الشعبوية، وأن بناء الدولة لا يكون بالصراخ، بل بالعمل الجاد والشفاف.
هو تيار لا يدّعي الكمال، لكنه لا يتهرب من مسؤوليته. وهو في النهاية، تيار يعيش داخل الدولة ومن أجلها، لا على هامشها.
* احمد سويد
عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر.