حبيب البستاني-
تطورات متلاحقة حدثت في الأيام القليلة الماضية لا سيما بعد الزوبعة التي أثارتها تصريحات المبعوث الأميركي من واشنطن حول إعادة ما يسمى بطرابلس-الشام، وبالرغم من إسراع الإدارة الأميركية إلى توضيح تلك التصريحات، وبغض النظر عما سيحمله توم براك في زيارته إلى بيروت، فإن موقف واشنطن معروف أعبر عنه مبعوثها في بيروت بطريقة دبلوماسية أم بطريقة مباشرة كي لا نقول فجة في الولايات المتحدة. فكل ما يهم أميركا من لبنان هو نزع سلاح حزب الله وإزالة فكرة المقاومة من الوجود وحتى لو اقتضى ذلك التضييق على اللبنانيين، وذلك تنفيذاً لرغبات إسرائيل الحاكم بأمره في كل منطقة الشرق الأوسط. ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان وتحول التغني باستقرار سوريا الشرع التي رُفعت عنها العقوبات وتدفقت عليها المساعدات، إلى قلق يقض مضاجع الأوروبيين كما الأميركيين، وسرعان ما نزع الشرع بذلته المدنية وارتدى من جديد بذلته العسكرية، ليتحول ابو محمد الجولاني وعصاباته وميليشياته إلى مصدر قلق لا يهدد الأقليات فقط إنما كل النظام السوري الجديد ووحدة الأراضي السورية، التي اصبحت بين ليلة وضحاها عرضة لأخطار التفتيت بعد ان هبت عليها رياح التقسيم القادمة من جنوب سوريا وشرقها. لقد جاءت احداث السويدا لتبين أن حاكم الشام الجديد لا يملك السيطرة الكاملة على كل الميليشيات التي كانت منضوية تحت رايته، وان الآمان الذي كانت تنعم به الأقليات سرعان ما تبدد، فاضحى الدروز عرضة للتنكيل والقتل والإبادة وذلك بعد ما تعرض له الساحل السوري وسكانه العلويين والمسيحيين من قتل وتهجير.
عدالة متأخرة ليست بعدالة
بعد أكثر من خمسة أشهر على أحداث الساحل السوري، تسلم الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع التقرير المتعلق بتلك الأحداث، فجاء التقرير الذي لم يُنشر بعد بمثابة كتاب رفع عتب للدول الأوروبية ولا سيما للولايات المتحدة الأميركية التي وبعد كل مجزرة تطالب بلجنة تحقيق، وذلك على مثال ما فعلته إبان حرب غزة، فبعد قصف مستشفى المعمداني طالبت الولايات المتحدة نتنياهو بإجراء تحقيق وكذلك فعلت بعد قصف إحدى أقدم الكنائس الأرثوذكسية في غزة، كذلك بالنسبة لتفجير كنيسة مار الياس في دمشق. هكذا نرى أن كل لجان التحقيق إن بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين والسوريين على حد سواء توصلت ويا للصدفة إلى نتيجة واحدة وهي أن القصف حصل عرضاً ومن طريق الخطأ. ولكن وأياً تكن نتيجة التحقيقات في القصف أوالتفجير فإن معرفة الحقيقة بعد مضي أشهر على حدوثها لا يعني شيئاً وهو لا يشكل عدالة بل طمساً للعدالة، وهكذا سنرى بعد أحداث السويداء أن المطلوب تحقيق بطيء يعمل على طمس الحقيقة وإظهار ما يريده الجناة وذلك بعد مرور الزمن الكفيل بمحو كل شيء، وهكذا فإن عدالة متأخرة ليست بعدالة.
مطالب أميركية تتمحور حول أمرين أحلاهما مر
لقد صرح المبعوث الأميركي بعيد لقائه المسؤولين اللبنانيين أن نزع السلاح هو شأن داخلي لبناني وأن الولايات المتحدة لا يمكنها من الضغط على إسرائيل وذلك من أجل إعطاء ضمانات، وكما يقول المثل "أخوت يحكي وعاقل يسمع" فبالله عليكم من يصدق أن أميركا الدولة العظمى الوحيدة "super power " لا تستطيع ممارسة ضغط على الدولة العبرية وذلك من أجل إعطاء ضمانات لبيروت في حال التزم لبنان بالشروط الأميركية، وهذا يقودنا إلى سؤال بديهي هل يستطيع لبنان إعطاء إلتزامات من دون الحصول بالمقابل على ضمانات؟ وما جدوى حديث براك عن فشل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وذلك في ظل تسجيل أكثر من 3800 خرق سجلتها اليونفيل من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل من الصعب على المبعوث الأميركي تحديد أسباب فشل اتفاق وقف إطلاق النار.
تدمير لبنان أم تدمير اللبنانيين؟
يتخوف البعض من أن عدم الامتثال للشروط الأميركية قد يؤدي إلى حرب جديدة من شانها تدمير لبنان، ولكن هذا البعض نسي موضوع اللبنانيين لا سيما أولئك الذن لا يريدون الانصياع للشروط الأميركية بدون قيد أوشرط، فالجميع مع حصرية السلاح بيد الدولة ولكن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالحوار والتوافق على تطبيق الاستراتيجية الدفاعية، فيصبح السلاح بيد الدولة وسيلة إضافية للردع وليس طريقة للاستسلام. السؤال الكبير هو ما هو مصير الشام التي ربط بها براك مصير لبنان؟ فيما الوضع في سوريا وتقاسم النفوذ بين تركيا وإسرائيل بات يهدد الدولة المركزية وبات الحديث هو إلى أي كيان سيُلحق "سنجق" دمشق؟.
كاتب سياسي*