الأخبار: لن يتوقّف اللبنانيون عن تقديم تفسيرات متضاربة حول ما قاله المبعوث الأميركي توماس برّاك خلال زيارته إلى لبنان.
لكنّ مصدراً واسع الاطّلاع قال لـ«الأخبار» إن المشكلة ربما تكشّفت كثيراً هذه المرة بسبب طبيعة برّاك نفسه.
ولفت المصدر إلى أن على اللبنانيين التعامل مع الرجل بطريقة مختلفة عن بقية الموفدين الأميركيين.
وأوضح أن برّاك ليس سياسياً طامحاً لدور خاص في الولايات المتحدة، وهو مرتبط بعلاقة شخصية جداً مع الرئيس دونالد ترامب، وعلى تواصل مباشر معه في أكثر من ملف.
وقد اختاره الرئيس الأميركي أساساً لمهمة تتعلق بسوريا، لكنه وجد أنه قد يفيد في الملف اللبناني نظراً إلى ترابطه في مكان ما مع الملف السوري.
وأضاف المصدر أن برّاك سبق أن تعامل مع اللبنانيين، سياسيين ورجال أعمال، ومع شخصيات مستقلّة، ولديه فكرة مفصّلة، بما فاجأ البعض، علماً أن فريقه الذي يضم دبلوماسيين وآخرين من أجهزة مختلفة في الإدارة الأميركية، يعرف أنه غير مهتمّ بحصد نتائج خاصة في هذه المرحلة.
وبحسب المصدر، فإن برّاك لا يهدف إلى كسب ودّ أحد من المسؤولين اللبنانيين. فهو من جهة له موقفه الشخصي من بعض القيادات، لكنه ملتزم بسياسة بلاده،
ومن جهة ثانية، يعتبر أن التجربة لم تظهر أن هناك تغييراً كبيراً في سلوك القيادات اللبنانية. وهو عبّر عن استغرابه أمام أكثر من شخص إزاء رغبة قيادات لبنانية بتأويل ما يقوم به، ولذلك اضطر إلى شرح أن من يحاول ربط ملف لبنان بالمفاوضات مع إيران، لا يعرف شيئاً في السياسة، وأصرّ على نفي مجموعة من التفسيرات التي أعطيت لمواقفه، ليس لطمأنة أحد، بل لأنه يريد أن يكون واضحاً.
وقال المصدر إن كل ما سبق ربما يساعد في فهم آلية عمل برّاك، لكن ذلك لا يعني أن لديه تفهّماً بالمعنى الذي يتعارض مع سياسة ترامب، وهو يقول صراحةً إن بلاده تقف إلى جانب إسرائيل، ومعنية بتوفير كل عناصر الأمن لها، ويعتقد بأنه يمكن للبنانيين أن يجدوا علاجات لأمور كثيرة، من بينها ملف سلاح حزب الله.
ولفت المصدر إلى أن برّاك كان واضحاً في حديثه مع عدد من الذين التقاهم، إذ قال بوضوح إن «هناك نافذة زمنية مفتوحة لثلاثة أشهر، وعدم تحقيق تقدّم كبير، لن يغيّر في الوقائع القائمة الآن، سواء لجهة استمرار الحرب الإسرائيلية، أو عدم حصول أي خطوة في مجال إعادة الإعمار، إضافة إلى رفض تقديم أي عون مالي للدولة اللبنانية».
المبعوث الأميركي «صُدم» لمشهد الدمار جنوباً وذهل من تفسيرات السياسيين لأقواله
وعليه، فإن ما بدا أنها إيجابية، طبعت زيارة الموفد الأميركي إلى بيروت، وكلامه عن «الرضى الكبير» على «الردّ المدروس والمتّزن» الذي قدّمه لبنان، كل ذلك اتّجه إلى الانحسار بشكل سريع، في انتظار مجموعة عوامل، أبرزها تحديد موعد لعودة برّاك إلى لبنان حاملاً معه الردّ على الردّ، ورصد الأيام الفاصلة عن موعد عودته، وما إذا كانت ستشهد تصعيداً إسرائيلياً.
وإذا كان الوسط السياسي لا يزال غارقاً في تحليل خلفيات المرونة التي أظهرها الرجل، فإن مصادر واسعة الاطّلاع قالت لـ«الأخبار» إن «الأجواء في السر غيرها في العلن، والحديث في الجلسات المغلقة تركّز على وجود مؤشرات إلى تصعيد إسرائيلي، وإن لبنان يتوقّع ذلك حقاً، إذ تؤكد الغالبية أن إسرائيل تحضّر لشيء ما»، مشيرة إلى «لُغمَين تضمّنهما كلام برّاك، هما: ترك الأمر للبنانيين في ما بينهم، وعدم إعطاء أي ضمانات للبنان بوقف الاعتداءات أو عدم حدوث جولة جديدة».
أكثر من ذلك، تؤكّد المصادر أن «ما قاله عن عدم وجود مهلة زمنية هو كذب، فالورقة التي جاء بها سابقاً تضمّنت آلية لتسليم السلاح على دفعات، والكلام الأميركي مع لبنان كان يؤشّر بوضوح إلى مهلة أقصاها تشرين الأول المقبل»، مشيرةً إلى أنه «لا رؤية مشتركة بين الأميركيين واللبنانيين، ولا وجود لمؤشرات إسرائيلية إلى الحل، وبالتالي فإن ما صدر عن برّاك ليس سوى انعكاس لشخصيته المتمرّسة في السياسة، لكن ذلك لا يعني ذلك تبدّلاً في الموقف الأميركي».
وفيما علمت «الأخبار» أن فريقاً من السفارة الأميركية في بيروت اجتمع صباح أمس مع مجموعة من مستشاري رئيس الجمهورية جوزيف عون في قصر بعبدا، لاستيضاح بعض النقاط الواردة في الردّ الذي طالب بوقف الأعمال العدائية، وتحدّث عن حصرية السلاح بيد الدولة، وسحب السلاح تدريجياً، وإنهاء الوجود المسلّح لكل الأفرقاء على كامل الأراضي اللبنانية. كما أكّد أن الجيش تمكّن من بسط سلطته على معظم الأراضي جنوب الليطاني، وهو بصدد استكمال انتشاره، وينتقل من هذا البند إلى طلب مساعدة للجيش لتمكينه من أداء دوره.
وفيما تابع برّاك أمس جولته في بيروت، والتقى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وقائد الجيش رودولف هيكل، نقل البطريرك الماروني بشارة الراعي عن رئيس الجمهورية قوله إن «زيارة الموفد الأميركي ممتازة جداً وقد قُدّمِت ورقة الردّ إليه ولا يزالون ينتظرون إجابة من حزب الله»، مؤكّداً أن «لبنان غير متروك وحيداً وهناك دول عظمى إلى جانبه». وكانت لبرّاك جولة في الجنوب، خصوصاً في قرى الحافة الأمامية، وخرج من هناك بانطباع «كارثي حول حجم الدمار الحاصل».
كما استمع إلى عرض موسّع من كبار ضباط الجيش في مقدّمتهم قائد قطاع جنوبي الليطاني العميد نقولا ثابت، للخطوات التي تقوم بها وحدات الجيش على صعيد الانتشار وتطبيق القرار 1701.
وانتقل برّاك إلى علما الشعب مروراً ببلدة الناقورة المدمّرة، من دون أن يعرّج على مقر قيادة «اليونيفل» فيها. وزار نقطة الجيش الحدودية في منطقة لحلح في أطراف علما الشعب، متفقّداً الخط الأزرق. واطّلع من الضباط على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة وتوغّل قوات الاحتلال إلى داخل الأراضي اللبنانية المحرّرة في أطراف علما الشعب والناقورة برغم انتشار قوات «اليونيفل» والجيش.