حبيب البستاني-
مع التطورات المتسارعة في المنطقة ومع الاتجاه الواضح نحو التهدئة إن لم نقل نحو الهدن الطويلة الأمد بين كل الأفرقاء المتنازعين بدون استثناء، وعشية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل يتضمن من جهة تحرير المحتجزين الإسرائيليين، ومن جهة ثانية وقف العمليات العسكرية لجيش الاحتلال وتزويد القطاع لما يحتاجه من مساعدات ليس أقلها الماء والغذاء والدواء والطاقة. يبرز الاهتمام الأميركي بلبنان، وذلك بعد أن اضحت الولايات المتحدة اللاعب الأوحد في المنطقة وذلك بعد انكفاء الدور المؤثر لمحور الممانعة ودخول إيران بخطى حثيثة على خط الاتفاقات مع الولايات المتحدة ومن وراءها إسرائيل. وبالتالي كان لزيارة الموفد الأميركي لبيروت طوم بارَاك ذو الأصول اللبنانية وقعاً مميزاً، سيما وأنها تاتي في ظل وجود أجوبة إيجابية من الجانب اللبناني على المطالب الأميركية التي حملها معه بارَاك في زيارته السابقة، وقد شكل التوافق اللبناني بين الرؤساء الثلاثة على المطالب الأميركية مؤشراً إيجابياً، وإن لم يرتبط ذلك بأجندة محددة التي كثيراً ما حكي عنها، والتي استعملها البعض كبعبع لإخافة اللبنانيين وحثهم على الاستعجال. وكان اللافت في تصريحات الموفد الرئاسي الأميركي والذي رافقه وفد من الكونغرس، من ان الكرة أصبحت في يد اللبنانيين والحكومة اللبنانية، لا سيما بالنسبة لحل موضوع السلاح مع حزب الله، وبالتالي فلا أحد لا سيما الولايات المتحدة لا يريد ان يتدخل في هذا الموضوع، فالحزب هو مكون سياسي لبناني ولكنه يتضمن جناحاً عسكرياً وعلى الحكومة التعامل مع هذا الموضوع.
ضغوط عسكرية إسرائيلية وموقف أميركي عقلاني
مع زيارة الموفد الأميركي تكثفت الاعتداءات الإسرائيلية وازدادت عمليات الاغتيالات الجوية، واستعمل العدو الإسرائيلي زنانير النار من الجنوب إلى البقاع، في رسالة واضحة إلى المعنيين اللبنانيين مفادها أن إسرائيل جاهزة في حال فشلت المفاوضات الأميركية اللبنانية، وأن آلة الحرب الإسرائيلية ستستمر باعتداءاتها، من هنا كان هذا العامل مؤثراً من ناحية قيام لبنان بوضع تعديلات الربع ساعة الأخير على ورقة الأجوبة التي تلقاها بارَاك والتي لم يتسن له بعد قراءتها وذلك بحسب تصريح الموفد الأميركي نفسه. ولكن السؤال يبقى ما الذي حدى بالموفد الأميركي اعتماد لغة متفهمة لا بل إيجابية للردود اللبنانية؟ ربما هنالك أكثر من سبب:
- أولاً هو الزيارة التي قام بها بارَاك للسعودية قبل مجيئه إلى لبنان، هذه الزيارة التي وإن صار التكتم على مضمونها إنما بينت على الدبلوماسية الكتومة التي يتبعها ولي العهد السعودي في مقاربة الملف اللبناني ومحاولة مساعدة لبنان في المحافل الدولية.
- ثانياً فهو يتمثل بقرب المحادثات الإيرانية الأميركية والتي من شأنها إذا تكللت بالنجاح كما هو مؤمل، أن تضع حلاً لسلاح حزب الله، بحيث يصبح موضوع التعامل مع الحزب من قبل الدولة اللبنانية ميسراً ولا يكون بحاجة لقوى خارجية أو ضغط خارجي لإتمامه.
- أما السبب الثالث فهو كلام أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في ذكرى عاشوراء والذي اعتبره البعض عالي السقف، إنما وبحسب خبراء الدبلوماسية جاء إيجابياً في موضوع حصرية السلاح، الذي ربطه الشيخ نعيم بسلسلة أمور لا بد من تحقيقها قبل البحث في هذا الموضوع، أي أنه قد وافق في بحث مصير السلاح في حال انسحبت إسرائيل من النقاط الخمس وعودة المحتجزين لدى العدو الإسرائيلي، وكذلك استعادة تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية.
من هنا فإن موقف الموفد الأميركي قد فتح الباب واسعاً لحل الموضوع اللبناني ولا سيما موضوع السلاح بالطرق الدبلوماسية، وأن كل الكلام عن الوعيد والتهديد في حال عدم اقتران الرد اللبناني باجندة محددة والذي دأب البعض على ترداده لم يكن في محله. وهكذا يتبين أن سلاح الحزب هو ورقة للتفاوض وليس وسيلة للحرب.
كاتب سياسي*