لوسي بارسخيان -
في لقاء جمع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر ومنسق المدارس الأرثوذكسية بشارة حبيب مع مدراء المدارس والجهات الداعمة، بدعوة من لجنة مساعدة طلاب المدارس في زحلة CASZ، طُرحت تساؤلات مقلقة حول مستقبل التعليم الخاص في لبنان، في ضوء واقع اقتصادي متأزم، ومساعدات دولية باتت مشروطة، وأقساط آخذة في التصاعد.
أقساط ترتفع... وقلق يتضاعف
لم يخف الأب نصر الواقع الصعب. فكشف أن الأقساط المدرسية سترتفع بنسبة 20 إلى 25 بالمئة للعام الدراسي 2025 - 2026. والسبب يعود، بحسب شرحه، إلى عاملين أساسيين:
الأول: كلفة تطبيق القانون 12/2025، الذي يُلزم المدارس، اعتبارًا من 1 تشرين الأول 2025، بالتصريح عن مجمل الرواتب بما فيها المساعدات والحوافز، والتي باتت تُعرف قانونًا بـ"الأجر المعطى لتغطية انهيار قيمة العملة اللبنانية". ما يعني حتمية دفع اشتراكات إضافية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة، وبالتالي رفع الموازنة المدرسية بنسبة 5 إلى 10 في المئة.
والثاني: ضرورة رفع رواتب الأساتذة للحفاظ على قدرتهم الشرائية، خصوصًا في ظل ما سيتحمّلونه من ضرائب واقتطاعات.
بحسب نصر فإن المدارس مجبرة على رفع الأقساط تدريجيًا لاستعادة قيمة الرواتب السابقة، وهذا سيعني العودة بقيمة الأقساط المدرسية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، مع الأخذ بالاعتبار حجم التضخم الحاصل منذ العام 2019. ما يعني عمليًا أن الأقساط قد تفوق معدلاتها التي كانت سائدة قبل العام 2019.
وعلى رغم محاولته تبرئة إدارات المدارس الخاصة من نية تحميل الأهالي أعباء جديدة، أقر نصر أن الفجوة المالية تتسع بين الأقساط وإمكانات العائلات. وهي فجوة تهدّد تماسك المدارس الخاصة، وتُنذر بتسرب التلامذة أو هجرتهم إلى مدارس أقل كلفة.
الكل مرهق
لا شك أن ما قاله نصر محبط جدًا لأهالي الطلاب الذين يصارعون ظروفًا اقتصادية ومالية صعبة جدًا، في سعيهم للحفاظ على استقرار الظروف التعليمية لأولادهم. خصوصًا أن الدولة التي عانت من انهيار مالياتها، لم تخطُ خطوات متقدمة في استعادة الثقة بالمدرسة الرسمية.
هذا في وقت يبدو واضحًا أن الإرهاق أصاب الجميع، حتى الجهات المانحة التي تدخلت خلال السنوات الماضية لإنقاذ القطاع التربوي. فيما التوجه السائد لدى المموّلين يبدو نحو مقاربة تنموية أكثر استدامة، بدل الاكتفاء بالمساعدات الطارئة.
لم يسد أي خلاف حول هذه المقاربة خلال اللقاء المعقود في زحلة، مع الحرص على الا تقود إلى أي تخلّ سريع ومفاجئ عن المساعدات المباشرة في أقساط المدارس. خصوصًا أن الأزمة لم تنته بعد، وهناك مدارس مهددة بالإقفال وفقًا لما قاله نصر، ومن بينها ست مدارس كاثوليكية، ربما تكون المساعدات المباشرة قد ساهمت بإنقاذ ثلاث منها على الأقل.
وإذا أخذنا بالإعتبار هاجس إقفال المدارس وتعثرها المالي الذي بقي مخيمًا على الأجواء الدراسية طيلة السنوات الماضية، يمكن القول إن المساعدات الخارجية لها لم تشكل ترفًا وإنما هي حاجة. وخير دليل على ذلك حجم الدعم المقدم على سبيل المثال عبر CASZ والذي بلغ رقمًا قياسيًا في سنة تأسيس اللجنة الرابعة بقيمة وصلت إلى 1.2 مليون دولار، وزّعت على 92 مدرسة في مختلف أنحاء لبنان ولكن خصوصًا في زحلة.
تطبيع مع الأزمة ومع رغبة الممولين
تأسست CASZ في العام 2020 بسعي من رئيس بلدية زحلة السابق أسعد زغيب. وقد حرصت في أول سنتين من عمرها، على الوقوف سدًا منيعًا في وجه التسرب المدرسي من مختلف مدارس زحلة الخاصة، مساندة المدارس وأساتذتها من خلال دعمها المباشر لأقساط التلاميذ. كبر هذا التحدي بدءًا من السنة الثالثة، عبر التوسع بهذه المساعدات نحو مناطق أخرى نائية في عكار وشمال لبنان، وفي الجنوب وبعلبك الهرمل بناء لرغبة الممولين. بموازاة بناء جسور تعاون قوية مع سائر اللجان التي تعنى بالقطاع التربوي، وأبرزها البرنامج الذي أطلقته الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية بهدف دعم الطلاب والعائلات المحتاجة لتأمين استمراريتهم في التعليم الخاص LEAF Lebanese Educational Aid for Families.
ولكن في ظل التطبيع الذي يسود علاقة اللبنانيين مع مشكلة التعليم وارتفاع كلفته، يبدو أن الجهات الممولة صارت لها أهداف أخرى من خلال إنفاق أموالها. وهي وضعت شروطها للاستمرار في دعم القطاع التربوي للعام الدراسي المقبل. ووفقًا لما تم التوافق عليه مع CASZ تحديدًا، خرجت بخطة للسنوات الثلاث المقبلة تقوم على ثلاثة أهداف تنموية:
1. تمكين المرأة.
2. الحفاظ على التنوع البيولوجي.
3. تنمية القطاع الزراعي.
في سبيل بناء المواطنة الصالحة
سيكون استمرار برنامج المساعدات للعام الدراسي المقبل من خلال السعي لتحقيق هذه الأهداف، مشروطًا بمشاركة المدارس في مسابقة تربوية تنسجم معها. كل مدرسة تتقدّم بمشروع يُعدّه التلامذة والأساتذة معًا، وستُخصّص نسبة من الميزانية لتنفيذ المشاريع الفائزة. على أن تتوزع الميزانية تدريجيًا بين المساعدات والمسابقة بنسبة 90/10 في السنة الأولى مع بقاء الأولوية للمساعدات المدرسية، ثم 70/30، وأخيرًا 50/50 في السنة الثالثة.
يتكامل هذا البرنامج مع مسار آخر باشرته اللجنة خلال العام الدراسي المنتهي، وهو إعادة تفعيل برنامج "بناء المواطنة". وتتابع هذا البرنامج عضو لجنة CASZ وديعة الخوري. وقد أضاءت الخوري خلال اللقاء على أهدافه من ناحية ترسيخ قيم الخدمة العامة، والمشاركة المدنية، والوعي البيئي.
هذا في وقت شدد منسق المدارس الأرثوذكسية بشارة حبيب أيضا على ضرورة مواكبة مثل هذه البرامج مستجدات العصر، ومنها الذكاء الاصطناعي. ولكن حبيب لم يخف أيضًا قلقه من التحديات التي ستواجه العام الدراسي المقبل، معتبرًا أن السنة المقبلة ستكون "من أصعب السنوات ماليًا، والآتي أعظم".
فهل يسد مموّلو برامج الدعم الفجوة ما بين الأقساط المدرسية وإمكانات الأهالي؟ أم أن التعليم الخاص في لبنان يسير نحو الخطر، وسط عجز الدولة واشتراطات الخارج، وتعب الداخل؟