لا. لسنا مدعوّين إلى الصمت الميت، بل إلى الصراخ النبويّ الحيّ. لسنا مُطالَبين بأن نغلقَ أعيننا ونَكمَّ أفواهنا ونتركَ جلّادينا يكتبون التاريخ بمداد دمنا، ثم يطالبوننا بأن نسامحهم كي يرتاحوا!
نحن أبناء المصلوب، نعم، لكنّه الإله الحيّ، لا الضحيّة الصامتة. هو الذي صرخ على الصليب: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" فكيف لا نصرخ نحن، نحن الذين نُذبح كل يوم من أجل اسمه؟
المغفرةُ ليست استسلامًا. المغفرةُ ليست تنكّرًا للعدالة، ولا تسويةً مع الباطل. المغفرةُ نورٌ يُشرق من القلب. المغفرةُ ليست صفقَة سياسيّة ولا هزيمة داخليّة. والغفران لا يطلُبه
الضحيّة بل القاتل، بالتوبة. أمّا أن نُذبح ويُطلب منّا التصفيق لقاتلينا، فذلك تجديف.
نحنُ لا نكره أحدًا. هذا صحيح. لكنّنا لا نقبل الزيف. نحن نحبّ، لكنّنا لا نساوم. والسكوت عن القتلِ خيانة. خيانة للربّ، خيانة للحقّ، خيانة للشهداء الذين ارتقوا. هُم لم يرتقوا لأنّهم كانوا صامتين، بل لأنّهم كانوا شهودًا.
أن تكون مسيحيًّا في هذا الشرق، معناه أن تحبّ حتى النهاية، لكن أيضًا أن تصرخ، أن تشهَد، أن تفضحَ الظلمة، أن تعرّي القاتل، أن ترفضَ أن تكونَ كبش محرقة لأكاذيب التاريخ ومصالح الأمم.
المسيح غفر، نعم، لكنّه لم يصمت. والمسيحيّ الذي يتبع الربّ يسوع لا يقبل أن يُقتل أخوه باسم الله، ويُطلَب منه أن ينسى.
نعم، نغفر، ولكنّنا لا ننسى.
نحبّ، لكنّنا لا نبرّر الجريمة.
نصلّي، لكنّنا لا نبيع دم الشهداء على مذابح الدبلوماسيّة.
نصرخ، لأنّ الحجرَ إنْ سكَتنا سينطق.
نصرخ، لأنّنا أبناء الحقّ، وأبناء الحقّ لا يُشترون.
نصرخ، لأنّ صوتنا صلاة، ودمَنا بُنيان كنيسة، وكلماتنا مرآة وجه المسيح الجريح في الشرق.
فلنصمت حين يأمرنا الربّ بالصمت.
أما حين يطلبُ دم الشهداء أن نتكلّم، فويلٌ لنا إن سكَتنا.