ناجي شربل وأحمد عز الدين -
لا تتبدل الأمور كثيرا في الصراع المفتوح بين لبنان وإسرائيل، بحيث لا تتوقف اعتداءات الأخيرة، وتتكرر كما في تواريخ سابقة.
فليل الخامس من يونيو 2025، حمل قصفا جويا إسرائيليا مزلزلا لضاحية بيروت الجنوبية وبلدة عين قانا الجنوبية في قضاء النبطية، أعاد إلى الأذهان انطلاق الاجتياح البري الكبير للبنان في 5 يونيوعام 1982، يوم بلغت القوات العسكرية الإسرائيلية العاصمة بيروت، ودخلت إلى أول عاصمة عربية في تاريخ حروبها مع العرب منذ قيام الكيان الإسرائيلي العام 1948.
لا تتبدل الأمور بين لبنان وإسرائيل وحتى في مناسبة تصادف ذكراها بعد 43 عاما. ففي 1982 كان الهدف الإسرائيلي القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وتم طردها من بيروت وتقليص نفوذها العسكري في الحرب الأهلية اللبنانية. وقد استعرت الأخيرة وازدادت بشاعتها حتى 13 أكتوبر 1990، يوم انتهت بحسم عسكري سوري، أسفر تطبيقا منقوصا لوثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، واستمر معه السلاح غير الشرعي.. وعادت إسرائيل منذ 20 سبتمبر الماضي بذريعة العمل على نزع هذا السلاح، وللغاية تستهدف أمن المواطنين اللبنانيين في كل البلاد، وتعتدي على السيادة ولا تلتزم باتفاقات دولية أخرها اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر 2024 برعاية أميركية – فرنسية.
منذ ذلك التاريخ تضرب إسرائيل لبنان وتضعه تحت حرب حقيقية تطال كافة أرجاء البلاد ومن دون أي رادع.
وإزاء ما يجري، كان موقف لافت من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون فيه «ان لبنان لن يرضخ». موقف اختصر المشهد والقادم من الأيام، بإصرار الدولة اللبنانية على وقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، والخروج من منطق القوة الفائضة لدى الجانب الإسرائيلي، إلى تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار عبر الطرق الديبلوماسية، خصوصا ان لبنان، وكما سبق لرئيس الجمهورية ان قال من العاصمة الفرنسية باريس، لا يستطيع مقايضة إسرائيل بما فعلته بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، من احتلال أراض واعتقال أسرى، لأنه لا يملك اشياء مقابلة ليفاوض بها.
ويزداد الموقف الرسمي الداخلي اللبناني تماسكا لجهة فصل ملف السلاح غير الشرعي، عن وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتحقيق الإنسحاب العسكري من الأراضي اللبنانية.
قيادة الجيش أصدرت بيانا الجمعة عممته مديرية التوجيه، وتناولت ما جرى ليل الخميس، وجاء فيه: «دأب العدو الإسرائيلي في المرحلة الأخيرة على تصعيد اعتداءاته ضد لبنان مستهدفا مواطنين وأبنية سكنية ومنشآت في مناطق مختلفة، وآخرها استهداف مواقع في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب ليل (الخميس)، بالتوازي مع احتلاله أراضي لبنانية ومواصلته خروقاته التي تحولت إلى عدوان يومي على سيادة لبنان، غير مكترث بآلية وقف إطلاق النار وجهود لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية. إن قيادة الجيش تدين هذه الاعتداءات ولاسيما الأخير منها، وقد جاءت عشية الأعياد في سعي واضح من العدو إلى عرقلة نهوض وطننا وتعافيه واستفادته من الظروف الإيجابية المتوافرة. في هذا السياق، تشير قيادة الجيش إلى أنها، فور إعلان العدو الإسرائيلي عن تهديداته، باشرت التنسيق مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية لمنع وقوع الاعتداء، فيما توجهت دوريات إلى عدد من المواقع للكشف عليها بالرغم من رفض العدو للاقتراح. تعيد قيادة الجيش تأكيد التزامها بتنفيذ القرار 1701 واتفاقية وقف الأعمال العدائية، وتلفت إلى أن إمعان العدو الإسرائيلي في خرق الاتفاقية ورفضه التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، ما هو إلا إضعاف لدور اللجنة والجيش، ومن شأنه أن يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية فيما خص الكشف على المواقع..
في موازاة ما سبق، يواجه الجيش التحديات بعزيمة وإصرار، ويستمر في أداء مهماته المعقدة لبسط سلطة الدولة على جميع أراضيها، وضمان أمن لبنان واللبنانيين، انطلاقا من واجبه الوطني المقدس الذي يبقى أولوية مطلقة مهما اشتدت الصعوبات».
وفي وقت استنكر الرؤساء الثلاثة ومعهم معظم المسؤولين اللبنانيين هذه الغارات العنيفة، فإن «حزب الله» التزم الصمت المطبق كما في كل استهداف يتعرض له.
في أي حال، استقبل اللبنانيون عيد الأضحى المبارك بصورة مختلفة عما أرادت إسرائيل فرضها عليهم، من حرب ودمار وآلة قتل متنقلة في المناطق.
والأبرز، ان العمل لم يتوقف في مطار بيروت الدولي، حتى في عز الضربات الجوية المزلزلة على أحياء في بلدات بالضاحية الجنوبية المتاخمة للمطار. واستمرت الصعوبة في حجز طاولة في مطعم أو مقهى أو منتجع على طول الساحل اللبناني من العاصمة بيروت حتى مشارف طرابلس، بسبب ضغط الحجوزات من المواطنين المقيمين والذين حضروا لتمضية العيد بين الأهل وفي ربوع الوطن.
مشهد مختلف إلى حد ما في الضاحية الجنوبية، «بنزوح تقني» للأهالي من محيط المباني المستهدفة، من دون ان تعود الحركة في اليوم التالي للضربات إلى ما كانت عليه قبلها، جراء الحذر، واتخاذ غالبية السكان تدابير خاصة بتمضية عطلة العيد في مسقط رأسهم، وهم من المتحدرين من قرى وبلدات عدة بعيدة من الضاحية.
وقد عاش سكان الضاحية ومعهم جميع اللبنانيين ساعات عصيبة في وقت كانوا يستعدون للاحتفال بعيد الاضحى المبارك. ساعات أعادتهم عدة أشهر إلى الوراء. وقد عاد سكان الضاحية بعدما امضوا ليلتهم عند الأقارب او في شوارع العاصمة ليجدوا انفسهم اصبحوا بلا مأوى، فيما المئات من اصحاب المنازل من سكان الأبنية المجاورة لمواقع الاستهداف، ومنهم من لم يكمل بعد ترميم منزله وجدوا انفسهم بحاجة لإعادة هذا الترميم من جديد.
والسؤال الذي طرح وبقوة: هل هذه الغارات غير المسبوقة منذ وقف إطلاق النار هي مجرد استهداف كما يحصل منذ ستة أشهر، أم أنها نهج جديد من العدوان؟ وجاءت الضربات الجوية مصحوبة بتهديدات من مسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي قال في تهديد مباشر للدولة اللبنانية: «لا هدوء ولا استقرار في بيروت».