من حق البيروتي أن يُمحّص في تركيبات اللوائح المتنافسة في الإنتخابات البلدية، قبل أن يتخذ قراره النهائي بالإقتراع لهذه اللائحة أو تلك، أو حتى قبل التسرع باللجوء إلى التشطيب العاطفي، أو العشوائي، مسايرة لهذا الطرف أو ذاك، لأن الخيارات الوطنية الحاسمة يجب أن تراعي مصالح العاصمة، وتساهم في تحقيق المهمات المطلوبة من المجلس البلدي العتيد.
يمكن تحديد بعض المصالح الإستراتيجية لسيدة العواصم، على سبيل المثال لا التحديد، على النحو التالي:
١ـ الحفاظ على وحدة البلدية في بيروت، وقطع الطريق على المطالبة بتقسيم الإدارة المحلية، وإنشاء بلديتين، لأن تقسيم العاصمة سيفتح شهية دعاة التقسيم في البلد، وتعميم هذا الإحتمال السيىء على الجغرافية اللبنانية، بما يهدد وحدة الوطن، وينسف أهم مبادئ إتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه.
٢ـ صون رمزية بيروت كعاصمة للوطن، وتعزيز مكانتها الحضارية والتاريخية والثقافية، كمدينة تختصر النسيج الوطني اللبناني، وتكرس الصيغة اللبنانية الفريدة، التي جعلت البابا يوحنا بولس الثاني أن يُطلق الشعار الشهير: لبنان وطن رسالة.
٣ـ التمسك بالمناصفة في المجلس البلدي بين المسلمين والمسيحيين، تأكيداً للشراكة الوطنية في العمل البلدي، وبما يمثل نموذجاً للعديد من المدن والمناطق الأخرى. وكان الرئيس الشهيد رفيق الحريري صاحب رؤية وطنية كبيرة عندما دعا إلى «وقف العد»، وعمل على تكريس المناصفة في مجلس بلدية بيروت.
٤ـ التطلع إلى اللائحة التي تؤمِّن الحد الأدنى، على الأقل، من متطلبات تشكيل فريق عمل منسجم، أو متفاهم على برنامج أولويات المشاريع التي تحتاجها العاصمة، التي تحولت في بعض مناطقها إلى قرية مهملة، فضلاً عن تراجع الخدمات الأساسية إلى مستويات غير مقبولة في العديد من القطاعات الحيوية، مثل الكهرباء والمياه والنظافة، والفوضى في الطرقات العامة، وغياب كل ما يعني بيئة نظيفة.
ولتسهيل توفير مثل هذه الخيارات الوطنية أمام اهالي بيروت، كان لا بد من الذهاب إلى التوافق بين مختلف القوى السياسية الناشطة في المدينة، من أحزاب وتيارات وشخصيات فاعلة، لتشكيل لائحة إئتلافية واسعة، إنطلاقاً من قناعة حاسمة : بيروت تجمع كل الأطياف والألوان اللبنانية، وقادرة على حماية رمزية الوحدة الوطنية، عبر إستقطاب كل الأطراف في لائحة واحدة، بعيداً عن الخصومات السياسية والحزبية التقليدية، وذلك بهدف تطوير العمل البلدي، وتحقيق أماني أهالي بيروت بإعادة مدينتهم مركزاً للإشعاع الفكري والثقافي، وعاصمة إقليمية للمال والإعمال والإزدهار، كما كانت قبل الحرب البغيضة.
من رحم معاناة البيارتة من الإهمال، ولدت لائحة التوافق «بيروت تجمعنا» لتعمل على تحقيق آمال البيروتيين وطموحاتهم في إستعادة عاصمتهم لأمجاد الستينات، وللحفاظ على التوازن المنشود في قلب الوطن.