حبيب البستاني-
مرحلة بعد مرحلة تتوالى الانتخابات البلدية فصولاً، الدولة تفرح وتهلل للإنجاز والناس ورغم أزماتهم المعيشية والمالية بعبرون عن البهجة والسرور، وهم نسوا كل شيء أو كادوا، لا هم لهم إلا النتائج ولو كانت في معظمها متوقعة ومعروفة سلفاً، ولا شيء يعلو فوق صوت المختار ورئيس البلدية وطبعاً مع زخات رصاص من هنا وزخات رصاص من هناك، والله يرحم الموتى. البلدات في عرس "قروي" وحفلات الدبكة والكاس تعم الساحات ولم ينقص المشهد سوى المخل وتربيع الجرس وشد الحبل لكي يعيش الناس من جديد حلقات "نادي النوادي" سقى الله الزمن الجميل، ولا يخلو الأمر من دفشة من هنا ونخعة من هناك إما على سطح الكنيسة أو في ساحة الجامع، وتصريحات من فج وغميق أين منها قصص عنترة وحروبه وانتصاراته، نعم الجميع يحب الانتصار وهذا ليس بعيب.
بعد الاحتفالات يأتي كلام الجد
وبالرغم من أن النتائج لا تقدم ولا تؤخر إلا أن البعض يصر وفي وسط هذه العجالة على إبراز الوجه الطائفي والمذهبي البغيض من خلال الانتخابات، بعيداً عن هم البلدات المختلطة التي تحترم أو لا تحترم التنوع الطائفي والمذهبي، تبقى بيروت العاصمة الشغل الشاغل التي ويا للأسف أصبحت تشكل مساحة للخلاف وهو نقيض الاختلاف والتنافس، وتذكر بعض الناس فيها أن لرئيس البلدية "السني" بين مزدوجين حقوقاً مغبونة وصلاحيات مغتصبة، وهم وبدلاً من تنظيم الاختلاف وجعل بيروت دوائر كما في معظم العواصم والمدن الكبرى، راحوا يطالبون بتقليص صلاحيات المحافظ "المسيحي" بين مزدوجين وذلك لكي يقبلوا بالمناصفة، وهنا يترحم الناس على الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لم يكن ليقبل بإثارة موضوع العدد بل أنه كان مصراً على المناصفة الحقيقية، حتى ولو كان المسيحيون لا يشكلون أكثر من ثلث أهل بيروت.
الطائفية ليست فقط حكراً على البلديات
بالرغم من أن حاكم البنك المركزي لم يمض على تعيينه إلا حوالي الشهر ونصف الشهر، تم تعيينه في 27 آذار 2025، حتى بدأت المشاكل حول صلاحياته، فهنالك أكثر من صوت ينادي بتقليص صلاحيات الحاكم الماروني وهو على فكرة وعلى شاكلة حكام البنوك المركزية من حول العالم يتمتع باستقلالية تامة عن السلطة السياسية، إذن وبالرغم من ذلك ترتفع الأصوات للحد من صلاحياته وفي المقابل تعزيز صلاحيات لجنة الرقابة على المصارف التي يرأسها "سني" . وهكذا وبدون لا شورى ولا دستور تطل الطائفية برأسها من بوابة أعلى سلطة مالية ونقدية في الدولة اللبنانية، التي كان من المفترض أن تكون بعيدة عن التجاذبات الطائفية وذلك كي يطمئن اللبنانيون إلى قراراتها وطريقة معالجتها لاسترداد الودائع والأموال المنهوبة وإعادة الانتظام إلى الجسم المصرفي.
الدولة المدنية
وهكذا ولألف سبب وسبب أصبح إرساء الدولة المدنية من أولى الأولويات وأصبح وضع قانون موحد للأحوال الشخصية وإلغاء الطائفية وبكل أشكالها أولوية لبناء الدولة الحديثة، وإذ نكتفي بهذا القدر عل ذلك يلقى آذاناً صاغية من أهل الحكم والحكومة.
ليون الرابع عشر فسحة أمل في نفق العالم المظلم
شكل انتخاب البابا الجديد وفي وقت قياسي في ختام اليوم الثاني من ال "conclave" بارقة أمل ليس فقط للمليار وأربعمئة ألف كاثوليكي من حول العالم إنما للعالم أجمع. فالبابا الجديد فرنسيس روبرت بريفوست الأميركي الأصل شكل انتخابه مفاجأة سارة وغير منتظرة، وبالرغم من ادعاء بعض رجال الدين فإن البابا الجديد كان في آخر لائحة الكرادلة المتوقع وصوله إلى السدة البابوية وكما يقال بالفرنسية "le dernier de la queue". وكان لافتاً اختيار البابا الجديد إسم ليون الرابع عشر وذلك خلفاً وتيمناً بليون الثالث عشر، وهذا وإن دل على شيء فهو يدل على تمسك البابا الجديد بالمبادىء التي أرساها البابا ليون الثالث عشر والذي كان أول من وضع العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية "doctrine sociale" والتي تنص على الاهتمام بالفقراء والعمال والمهمشين وذلك كرد واضح على النمط الرأسمالي الذي كانت تتبعه الكنيسة، وكان من أكبرإنجازاته ايضاً هو إيمانه بالحكم الجمهوري "republicain " وهو كان قد وجه الدعوة للفرنسيين للإنضواء تحت الحكم الجمهوري وليس الملكي. هذا وتنتظر البابا الجديد جملة مشاكل لا بد له من التصدي لها وليس آخرها الفجوة المالية التي تعاني منها الكنيسة والمقدرة بحوالي 350 مليون دولار. كذلك ينتظر البابا ليون الرابع عشر عملية إصلاحية كبيرة داخل الكنيسة من نظرة الفاتيكان إلى المثلية وزواج الكهنة وغيرها ومن المرجح أن تكون مهمة البابا الجديد ميسرة في هذا المجال نسبة لعلاقته الجيدة بمجمع المطارنة الذي كان يرأسه "dicastère des éveques" وذلك بخلاف البابا فرنسيس الذي لاقى معارضة واضحة مما يسمى في الفاتيكان la curéé أي المطارنة. كذلك من المنتظر أن يقوم البابا المعتدل بحل الخلاف الذي نشأ مع الرئيس الأميركي ترامب والذي تجلى برسالة التعزية من سطر ونصف على منصة X بمناسبة وفاة البابا فرنسيس. وهكذا وإن كان من المبكر معرفة خفايا انتخاب البابا "الأميركي" فإن الجميع يأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للسلام من حول العالم. ومن المنتظر أن يحضر المؤتمر الصحافي الأول للبابا ليون الرابع عشر أكثر من 6000 صحافي ومراسل من حول العالم وهو حدث إستثنائي لرئيس دولة الفاتيكان التي لا تمتلك لا قوة عسكرية ولا جيش. وفق الله البابا الجديد في مسيرته الإصلاحية ومسعاه في تحقيق العدالة والسلام.
كاتب سياسي