HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

لبنان الدولة المُختطَفة: بين قبضة الداخل وتوجيه الخارج (بسام صرّاف)

30
APRIL
2025
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

في بلدٍ يشبه العصفورة المخنوقة، لا يُطلّ الصباح إلا متثاقلاً على أكتاف الذلّ، ولا يُطوى الليل إلا على أرق الفقراء. اللبناني لا يعيش… اللبناني ينجو. ينجو يومًا بيوم، تحت نظام ميت سريريًا، وسلطة لم تعد سلطة، و”دولة” سُرِقت أعضاؤها، ثم رُقّعت على يد جرّاحين سياسيين امتهنوا التشريح لا العلاج.

نحن لا نعيش أزمةً عابرة ولا ما يسمّونه بـ”فراغًا سياسيًا” كما يحب منظّرو التسويات تمرير الأوهام. لا فراغ في لبنان. هناك رئيس للجمهورية، هناك حكومة، هناك مجلس نيابي، ولكنّ الدولة غائبة بالكامل. ما نراه ليس حكمًا بل تعطيلًا مقنّعًا. لا شغور في الموقع، بل شلل في القرار. لا غياب للمؤسسات، بل اختطاف لها. نحن نعيش انهيارًا كاملًا لمنطق الدولة، بانهيار المبدأ، لا الأشخاص. وما يُقدَّم للناس على أنّه “نقاش ديمقراطي” هو في الحقيقة مسرحية عبثية تُدار خلف الكواليس بأصابع محلية تُحرّكها سفاراتٌ خارجية تمسك بخيوط اللعبة اللبنانية بدقّة، وتُبقي البلد في غرفة الإنعاش، لا يموت… ولا يُشفى.

من يحكم لبنان؟ طبقة سياسية طائفية متجذّرة، لا تكتفي باحتكار الداخل بل ترتهن بالكامل لأجندات الخارج. تحالفٌ مافيويّ تتحرك خيوطه بين صالونات السفارات الغربية وغرف العمليات الإقليمية. هؤلاء لا يحكمون، بل يُدارون. لا يقرّرون، بل يُبلّغون. ما نشهده ليس نظامًا سياسيًا بل نسخة مشوّهة من حكم الوكالة: أمراء طوائف يُتقنون التفاوض على الخراب، ويحسنون ابتزاز الداخل باسم التوازن، والخارج باسم الاستقرار.

لقد تحوّل لبنان إلى شركة مساهمة فاشلة يديرها مجلس إدارة طائفي، يوزّع الغنائم، ويُفلس الدولة ثم يلوم الشعب. جمهورية الصفقات هذه لا تعرف المحاسبة، لأنها مُدانة من الأساس. لا تقبل الإصلاح، لأنه يهدّد بنيتها الطفيلية. كل ما فيها قائم على منطق: الدولة هي الطائفة، الطائفة هي الزعيم، الزعيم هو المموّل، والمموّل هو الخارج. وخارجٌ يُمسك برقاب الداخل، ويرسم خطوط اللعب بالدم والمال والمفاوضات.

المشكلة ليست في موقع رئاسة الجمهورية، سواء كان شاغرًا أو مشغولًا. وليست في حاكم مصرف لبنان، سواء غادر أو بقي متسلّطًا على الأرقام. ولا في شكل الحكومة، ولا أسماء الوزراء. هذه نتائج. الأعراض فقط. المرض في المنظومة. في الصيغة. في العقل الذي يحكمنا، ويقيس كل شيء بالمصالح، ولا يرى في الوطن إلا مصرفًا للنهب أو منصةً للصراع.

لقد شُلّ القانون، أُهين القضاء، حُوصِر الجيش، أُخضِع الأمن، وقُطِعت أوصال الدولة. السلطة لم تعد سلطة، بل أداة قمع ناعمة لحماية مصالح الممسكين بالقرار. هذا الاحتلال الداخلي، المركَّب والماهر، لا يكتفي بفرض هيمنته بل يوزّع التُهم على خصومه ليغسل يديه من الجريمة الجماعية. لا سيادة بلا إذن. لا عدالة بلا تغطية. لا تعيين بلا تسوية. ولا مشروع يمرّ بلا ختم السفارات.

السيادة مرهونة، الاقتصاد مرهون، القضاء مرهون، النقد مرهون، العدالة مرهونة… حتى الأمل مرهون. وهذه ليست دولة. هذه مزرعة عملاقة تقف على أنقاض ما كان يُسمّى “لبنان الكبير”. مشروع سياسي مديد ومركَّب، عمل منذ التسعينات على تفريغ المؤسسات، تجويف النصوص، وترويض الناس، حتى باتت الدولة شبحًا، والولاء خيار النجاة الوحيد.

وأمام هذا الواقع، لا يكفي التذمّر ولا التغنّي بماضي الحروب. لا خلاص في انتظار “المنقذ”، ولا قيامة من داخل نظام كهذا. لا إصلاح من قلب التعطيل. ولا دولة في ظل حكم ميليشيوي مقنّع، خارجي التمويل، داخلي الفساد، عابرٌ للسيادة والمساءلة.

الخلاص الحقيقي يبدأ من قلب الطاولة:
• دولة مدنية علمانية لا مساومة فيها، تبني عقدًا اجتماعيًا جديدًا على أساس المواطنة، لا الطائفة.
• قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، يكسر القيد الطائفي، ويفتح باب الحرية الفردية والحقوق الكاملة لكل مواطن.
• لا مركزية إدارية ومالية موسعة، تُحرّر التنمية من قبضة المركز، وتُعيد توزيع القرار على الناس لا الأحزاب.
• قضاء مستقل، مُحصَّن من التدخل، محكوم بالقانون لا بالتوازنات.
• أمنٌ خاضع حصريًا لسلطة الدولة الشرعية، لا سلاح خارج الشرعية، لا دويلة داخل الدولة، ولا ميليشيا فوق الجيش.
• إصلاح مالي جذري ينهي اقتصاد الريع والزبائنية، ويُطلق سياسة إنتاج، ويستعيد المال المنهوب.

هذا هو مشروع الإنقاذ الوحيد. أما ما عداه، فمجرد مساحيق على وجه الجثة. إعادة إنتاج للعفن نفسه بأسماء وأغلفة جديدة.

لبنان لا يحتاج إلى ترقيع، بل إلى تغيير كامل في المفهوم والبنية. لا حياد في معركة الدولة. إما بناء حقيقي، أو انهيار شامل. إما سيادة حقيقية، أو بقاء تحت الاحتلال المقنّع.

لبنان لا يحتمل التسويات بعد اليوم. لا يحتمل خضوعًا ناعمًا، ولا تذاكيًا على خراب الناس. لبنان لا يُحكم بالشراكة القسرية بين من يريد دولة ومن يريد مزرعة.

إما أن ننقذ لبنان من ساسته… أو نقرأ عليه السلام.

MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING