أنطوان الأسمر-
أقفلت إسرائيل باغتيالها رئيس المكتب السياسي في حركة حماس يحيى السنوار حسابا طويلا معه بدأ في المعتقلات، وانتهى قائدا لعملية ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣. لكن إقفال الحساب لا يعني بالضرورة إسدال الستارة على الحرب في غزة. ذلك أن ملف الرهائن لا يزال عالقا، مع خشية إسرائيلية من أن يكون هؤلاء طي الفقدان أو التصفية.
غير ان هذا التطور الاستثنائي لن يؤثّر بالضرورة في مسار الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهي أصلا انطلقت بسبب ٧ تشرين الأول 2023. فتل أبيب ماضية، كما فعلت في غزة، في تصفية متدرّجة لحزب الله ودوره العسكري عبر اغتيال قياداته العليا والوسطى، بديلا بالنار عن القرارين 1559 و1701. وهذا يعني أن العملية العسكرية طويلة وماضية حتى إخراج الحزب ومقاتليه وسلاحه من جنوب الليطاني، وربما حتى أبواب صيدا، في مرحلة أولى، على أن تكون المرحلة الثانية تجريد الحزب من السلاح، وتحويله حزبا سياسيا صرفا، وفق الأدبيات الإسرائيلية.
وليس خافيا غياب الضغوط الأميركية - الدولية الجدية لإلزام إسرائيل بوقف الحرب. ويلمس زوار واشنطن أن هناك تسليما لدى المسؤولين الأميركيين بطولها، من غير أن ينفوا كليا إمكان حصول خرق سياسي - ديبلوماسي معطوف على تطور عسكري استثنائي، يؤدي إلى تعجيل إيقاف الحرب بقرار جديد في مجلس الأمن.
كما ليس خافيا أن ثمة توظيفا خارجيا واضحا ومعلنا للعملية العسكرية بهدف تطبيق القرار ١٥٥٩، بالنار إن لم تنجح الديبلوماسية، مع إدراك كل من واشنطن وتل أبيب محاذير هذا الأمر لبنانيا (لن يقبل الحزب أن يتحوّل هدفا سهلا) وإقليميا باعتباره درّة التاج الإيرانية وأحد أبرز قصص نجاح الثورة.
هنا تحديدا، قرّرت طهران إشهار تدخلها لإغاثة الحزب، مع تكريس تغييبها أي وجود للدولة اللبنانية. فأعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف أن "إيران ستكون مستعدة للتفاوض بشكل ملموس حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا، التي ستعمل كدولة وسيط بين حزب الله وإسرائيل". لم يترك الرجل بكلامه هذا مجالا للشكّ في دور إيران في قرار حرب الإسناد التي يقودها الحزب، واستطرادا دورها في اليوم التالي للحرب الإسرائيلية على الحزب. حتى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نفسه لم يستطع تحمّل كلام قاليباف، فسارع إلى الاستنكار. وهو بالتأكيد لم يكن ليقوم بذلك من دون التنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن هذه الحمية لا تعود فقط إلى اندفاع سيادي، بقدر ما هي تنمّ عن عمق التحولات المنتظرة لبنانيا ربطا بالمتغيّرات الحاصلة والمرتقبة وبما أحدثته الحرب الإسرائيلية لبنانياً من تأثيرات عسكرية وسياسية. يُذكّر كل هذا بلحظات ما بعد 14 شباط 2004، حين قفز كثر من مركب إلى آخر، إما بحثا عن سترة نجاة أو عن دور مأمول.
ينعكس هذا الواقع المأسوي على الجهود الرامية إلى تحقيق اختراق سياسي محلي على مستوى الملف الرئاسي، الذي سيزيده تعقيدا بلا أدنى شك ما هو متوقع من رد إسرائيلي على الضربة الإيرانية على تل أبيب وعدد من المدن.
ولا يخفى ازدياد الحاجة اللبنانية إلى اختراق سياسي مُعتبَر في الملف الرئاسي. وتأتي في هذا السياق الجهود التي تُبذل راهنا لتذليل العقبات، مع الحراك الذي يقوم به أكثر من طرف توصلا إلى إسم يُتفق عليه إذا أمكن، أو لائحة ثلاثية تشكل نواة أي جلسة انتخابية في مجلس النواب.
ولفت في هذا الإطار التحرك الذي يقوده رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل:
1-في الخارج مع مجموعة الدول الخمس المعنية بلبنان، حيث التقى بسفراء قطر (التي زارها قبل نحو أسبوع) وفرنسا ومصر، وأوفد من يمثّله للقاءين حصلا مع ديبلوماسيين سعوديين (لوجود السفير وليد البخاري في الخارج) وأميركيين. كما التقى بالسفير البريطاني وبالممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة.
2-وفي الداخل مع رئيس مجلس النواب، حيث تناول البحث صلب الاستحقاق الرئاسي ولائحة رئاسية تضمّ جميع المرشحين، المعلن منهم والمضمر. وعُلم في هذا السياق أن الاتصال بين بري ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني حصل بالتنسيق بين باسيل والقطريين.
أنعش هذا الواقع اتجاها لإجراء مشاورات في مجلس النواب بغية الوصول إلى مجموعة من الأسماء التوافقية، قادرة على جمع الـ٨٦ نائبا لافتتاح الجلسة الانتخابية، بحيث يصار إلى انتخاب واحد منها بنصاب الـ٨٦ في الجلسة الافتتاحية، وإلا بالغالبية البسيطة (٦٥ نائبا) في الجلسات اللاحقة حال تعثّر الجلسة الأولى. وتواجه هذه الاستشارات تحديات، من بينها تمسك القوات اللبنانية برفض أي صيغة مماثلة، وإصرارها على أن يدعو بري إلى جلسة انتخابية بلا شروط مسبقة. لكن الوصول إلى الـ٨٦ نائبا، بلا القوات، يشكّل منعطفا وربما محطة مفصلية قد تقود إلى انتخاب الرئيس العتيد وإطلاق مرحلة سياسية جديدة.