في الميدان البرّي، الكلمةُ الفصل، وفي جنوب لبنان، بتضاريسه وأوديته وتلاله، كل الميّزات الجغرافية والطبيعية لخوض حرب عصابات قاسية على العدو الإسرائيلي. وما كارثة اليوم التي سقطت على بنيامين نتنياهو وأركان حربِه، إلا عيّنة مما يمكن أن يلقاه هذا الجيش لدى اختراقه حدود الجنوب اللبناني.
ذلك أن اليوم الأول لتوغّل فعلي في القرى الحدودية، تحول عداداً لقتلى العدو وجرحاه، الذين ناهزوا المئة. وفي العديسة ومارون الراس، فجَّر مقاتلو حزب الله الكمائن وأطلقوا النيران على جنود المظليين والكوماندوس ولواء "غولاني"، فكانت النتيجة وقوع الوحدات في مصيدة من النيران والصواريخ. وبالتوازي، كانت المقاومة تواصل قصف المراكز العسكرية والمستوطنات بالصواريخ، فيما نَفّذت إسرائيل غارات عنيفة تركّزت اليوم الأربعاء على قرى قضائي زحلة وبعلبك في عمق البقاع، إضافة إلى البلدات الجنوبية، وبعد فجرٍ قاسٍ شهدت فيه أحياءُ الضاحية الجنوبية ولا سيما الحدث – غرب والرويس والشياح أعنف الضربات التي وصلت تردداتها إلى القرى المرتفعة في المتن وبعبدا.
غير أن الحدث الأهم، الذي يدعو لمتابعة إما تداعياته، وإما حصره تحت الجناح الأميركي، فكان الضربة الصاروخية الكبيرة التي وجهتها إيران على القواعد العسكرية الإسرائيلية ومن بينها الجوية، والتي أراحت معنوياً خاصة بيئة حزب الله في لبنان، إضافة إلى تعبيرها عن حفظ طهران ماء وجهها تجاه حلفائها وهيبتها بالدرجة الأولى. لكن العبرة تبقى في ما إذا كانت هذه الضربة سُتستتبع بما يمكن أن يوجع نتنياهو وحكومته، إضافة إلى ترقب رد فعله مع أركان قيادته، والذين سارعوا أمس الثلثاء إلى تأكيد الجهوزية لتوجيه ضربات تطال "أرجاء الشرق الأوسط"، بحسب تعبيرهم.
في هذا الوقت، سُجلت الحركة السياسية والدبلوماسية اللبنانية على خطين، في بيروت ونيويورك.
فعلى صعيد التحركات واللقاءات، واصل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ما بادر إليه فالتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا بعد لقائه بالأمس رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمحور البحث حول سبل وقف النار وانتخاب رئيس ومعالجة الملف الإجتماعي الناتج عن نزوح الأهالي ومواكبته.
إلى ذلك، شهدت عين التينة مساء اليوم الثلثاء زيارة لافتة من ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى الرئيس بري. وبعد الإجتماع أكد ميقاتي تمسك لبنان بالقرار 1701 وضرورة وقف النار والدمار، إلى جانب التشديد على انتخاب رئيس توافقي للجمهورية "يطمئن الجميع ويبدِّد هواجسهم". وأتى هذا اللقاء بعد سلسلة لقاءات لبري مع كتل نيابية متنوعة.
وكان مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك بشارة الراعي، شدد أيضاً على تنفيذ القرارات الدولية وفي طليعتها ال1701، وعلى انتخاب رئيس، مشيراً إلى ضرورة احتضان الأهالي النازحين ومشيداً بالمواقف الشعبية الصادقة لأهالي المناطق الخارجة على العدوان. كما طالب المطارنة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف العدوان على لبنان.
أما في نيويورك، فكان مجلس الأمن يناقش الحرب على لبنان، الذي أكد مندوبه هادي هاشم أن شعبه والحكومة لا يريدان الحرب ويريدان تطبيق القرار 1701، مشيراً إلى أنه سبق للبنان أن "وافق على المبادرة الفرنسية الاميركية التي نسفتها اسرائيل بموجة دمار غير مسبوقة".