صحيح أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لم يكترث لملاحظات وتحذيرات قانونيين من خطورة المذكرة التي أعطى بموجبها قطعات قوى الأمن الداخلي الحق بتنفيذ مهام الضابطة العدلية لدى تعذّر الاتصال بالنيابات العامّة أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائيّة. إلا أن الأمر لم يكن ليمر مرور الكرام لدى عدد غير قليل من القضاة الذين تداولوا أمس على مجموعات الـ«واتساب» الخاصة بهم بالمذكرة التي نشرت «الأخبار» تفاصيلها السبت الماضي. وقد تنوعت ردود فعلهم بين اعتبار ما يقوم به عثمان «ضرباً من الجنون» لا يحصل في أي دولة قانون ومؤسسات، وبين من وصف المدير العام لقوى الأمن الداخلي بأنه يتصّرف وكأنّه «فرعون زمانه».
لكن الأمر لا يقتصر على ما فعله عثمان، بل يتصل بالذريعة التي وفرها القضاة أنفسهم لمدير عام قوى الأمن للقيام بما يريده. ذلك أن هؤلاء باتوا في إجازة دائمة بحجة الوضع المعيشي. وبمعزل عن أحقية المطالب، فإن تعديلات فعلية طرأت على المداخيل الخاصة بالقضاة، تسمح بتنظيم العمل بصورة لا تتيح للضابطة العدلية الحلول محل النائب العام، لأن الأمر لن يقتصر على قوى الأمن الداخلي بل سرعان ما ستعمل به بقية القوى الأمنية والعسكرية والأجهزة.
ومع ذلك فإن الأجواء الموجودة لدى قضاة كثر تقول بأنه «لا يجب أن تمر المذكرة مرور الكرام»، وأكد قضاة أنهم يستعدون لتحرّك تصعيدي لوقف تنفيذ المذكّرة، لكنهم كانوا حريصين على معرفة الموقف الحقيقي للنائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات الذي يبدو أنّه في صدد إصدار «موقف حازم» اليوم، بعد ما نُقل عنه إلى من يعنيهم الأمر بأنّ «المذكّرة لا تستقيم بوجود النيابات العامّة».
عويدات في صدد إصدار «موقف حازم» اليوم ونُقل عنه أنّ مذكّرة عثمان لا تستقيم بوجود النيابات العامّة
بالنسبة للقضاة، فإن عويدات «لن يتقاعس عن القيام بما يمليه عليه القانون». مع ذلك، وضعوا «خطة ب» للتصعيد في حال لم يتحرّك. أولى الخطوات ضمن هذه الخطة التوجّه إلى مجلس شورى الدولة للمطالبة بوقف تنفيذ المذكّرة. فيما يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك مطالبين بتقديم دعوى جزائيّة ضد عثمان الذي «يتجرأ على مخالفة القانون. وهو مرّة يتمنّع عن تطبيق القرارات القضائية ويسمح لنفسه باستخدام صلاحية تفسير القوانين، ومرّة يأمر عناصره بفتح تحقيق مع نائب عام بعد كسر إشارته القضائية، وآخرها ما قام به بشأن رفع رسوم الاستحصال على سجلٍ عدلي من دون قانون»! ويتهم هؤلاء عثمان بأنه «فاتح على حسابو» ويجب على المراجع القضائية والمسؤولين وضع حد لتصرفاته. أما العتب الأكبر للقضاة فهو على وزيري الداخلية والعدل اللذين لم يتحرّكا لردع عثمان، وهما أساساً قاضيان عملا في القضاء الجزائي وكانا رئيسي محاكم جنايات.