بدأ رجل الأعمال الطرابلسي نجيب ميقاتي بتجميع ثروته الكبيرة، بعد دخوله عالم الإتصالات، من خلال التجارة في خطوط الإتصالات الدولية، التي إستقدمها الى لبنان في زمن الوصاية، وحرص ميقاتي على إسترضائها، ونيل رعايتها طمعًا بجمع المال الوفير، وتحقيق الأرباح الخيالية لا أكثر. فكان له ما أراد. كونه كان ولايزال يتقن فنون البراعة في التزلف والتملق لمختلف قوى الأمر الواقع، وفي مختلف الأزمنة. غير أن السوق اللبنانية، لم تكن كافيةً لإشباع جشع رجل الأعمال المذكور للمال، لذلك وضع نصب عينيه السوق السورية، معتمدًا كعادته على "موهبته" البارعة في التزلف والتملق، بالإضافة الى ذلك، فهو أفضل من يجيد التعامل بالسمسرات و"البراطيل"، فكان له ما أراد أيضًا، فلّزم تركيب أحدى شبكتي الإتصالات الخلوية السورية “mtn”، التي أدرت له أرباحًا خياليًة. إثرها صارت تنطبق عليه هذه المقولة: "لقد ذهب ميقاتي الى سورية بسيارة الأجرة، وعاد منها الى لبنان بطائرته الخاصة"، على حد تعبير بعض عارفيه في الجارة الأقرب.
ومن عالم الأعمال الى السياسة، وبأسلوبه المعتمد و"موهبته البارعة"، وإبراز عاطفته الجياشة للعروبة وسورية ودورها المقاوم، توسل الى قيادتها ومسؤوليها، كي يتولى منصبًا وزاريًا في لبنان، فأيضًا كان له ما أراد. فأسندت إليه وزارة الأشغال والنقل في الحكومة الأولى لعهد الرئيس العماد إميل لحود، فإستمر في منصبه "كسوبر وزير" حتى العام 2004. وتخلل تلك الحقبة، إجراء إنتخابات نيابية في العالم 2000، وبالأسلوب عينه، والمزايدة في مواقفه "العروبية، دخل ميقاتي الندوة البرلمانية، بعد ترشحه الى هذا الإستحقاق عن أحد المقاعد السنية في طرابلس في دائرة الشمال الثانية، على اللائحة المدعومة مباشرة من سورية، التي إنقلب عليها، بعد إنسحابها من لبنان في نيسان من العام 2005. لا بل أكثر من ذلك، ذهب الى معاداة الدولة التي حضتنه وأوجدته في الحياة السياسية، وأسهمت بفعاليةٍ بتعزيز ثروته، من خلال تعيين ميقاتي لمسؤولين أمنيين وقضائيين مشبوهين ومعادين لمحور المقاومة في مواقع حساسة، بعد وصوله الى السرايا الكبيرة للمرة الأولى في نيسان 2005، عقب إستقالة الرئيس عمر كرامي من رئاسة الحكومة، إثر تداعيات جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط من العام المذكور أخيرًا. فمكان من هؤلاء المسؤولين إلا محاولة توريط سورية بجريمة العصر، وضرب الأجهزة الأمنية اللبنانية وهيبتها، عبر إعتقال قادة هذه الأجهزة في حينه، بعد إتهامهم زورًا بتنفيذ جريمة إغتيال الحريري، وبروايةٍ لا تصلح للإستخدام في الأفلام الخرافية. إثرها، شهد لبنان مرحلةً من أسوأ مراحل التسيّب الأمني، حيث إستمر مسلسل الإغتيالات والتفجيرات المتنقلة على مدى أعوامٍ، بغعل ضرب الأجهزة الأمنية اللبنانية، على يد من أتى بهم ميقاتي الى المواقع الأمنية والقضائية. وحتى الساعة، لايزال ميقاتي يمنع حصول أي تقاربٍ رسميٍ مع دمشق، للتفاهم معها على حلولٍ للقضايا العالقة بين لبنان وسورية، كحل قضية النزوح السوري الى لبنان، إذعانًا منه للإملاءات الأميركية، بحسب رأي مرجع في فريق الثامن من آذار.
وبعد وصوله الى رئاسة الحكومة، بذل ميقاتي ويبذل قصارى جهوده للبقاء في هذا الموقع، وبأي أسلوب، فعاد الى هذا الموقع في كانون الثاني من العام 2011، بعد إنقلابه على حليفه في إنتخابات 2009 الرئيس سعد الحريري، بعد موافقة الأول على تكليفه مهمة تأليف الحكومة، التي أسندها إليه ثنائي حزب الله والتيار الوطني الحر ، عقب إستقالة حكومة سعد الحريري الأولى دستوريًا. ثم إنقلب بعدها على هذا الثنائي، وأشار ميقاتي الى أنه وافق على ترأس الحكومة لكبح جماح التيار الوطني الحر في السلطة، في محاولة لإسترضاء الشارع السني وإستمالته، لكي يكون بديلًا من الحريري (سبير). وهكذا دواليك يستمر ميقاتي في "موهبته" البارعة المذكورة أعلاه، لتعزيز حضوره في السلطة ولدى الشارع السني.
وهنا يعتبر مرجع سياسي قريب الى محور المقاومة أن ميقاتي يسعى ليرث سعد الحريري بالسياسة وليس على الارض، بالتالي لا يريد استفزاز شارع الحريري. من هنا يعمل لاثبات نفسه سياسيًا، ليقدم نموذجًا متميزًا ومتمايزًا عن الحريري، على حد قول المرجع. ويلفت إلى أن ميقاتي دأب على مراعاة جمهور الحريري وشارعه ويقدم نفسه كراعٍ للسنة، والنموذج اللبناني الذي يهرب من إحراج محور المقاومة له خدماتيًا واقتصاديًا ( نفط، غاز، فيول، ومساعدات ايرانية)، ودائمًا بحسب تعبير المرجع. ويرى أن ميقاتي يسعى الى حجب تأثير حزب الله في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، طارحًا نفسه بديلًا أو شريكًا وازنًا ومؤثرًا. وهذه رسالة للداخل والخارج، على حد قول المرجع. ويؤكد أن محور المقاومة سيواجه أيامًا صعبةً مع ميقاتي، وسيترحم على "ظلم الحريري" أمام "عدل ميقاتي"، على حد تعبيره.
ويختم بالقول: "يا ليت ظلم بني أمية دام لنا ...وعدل بني العباس في النار".
وعن حملة ميقاتي الأخيرة على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، إعتبرت مصادر سياسية واسعة الإطلاع أن الهجوم الإعلامي الذي شنه ميقاتي، على باسيل، يأتي في إطار الحملات المستمرة على "التيار"، والإتهامات المزعومة التي تطاوله منذ العام 2019، وما قبل أيضًا، بهدف تطويقه ومحاولة إغتياله معنويًا وسياسيًا، تنفيذًا لإملاءاتٍ خارجيةٍ. وتسأل المصادر عن سر توقيت حملة ميقاتي المتعمّدة في الوقت الراهن، بالتزامن مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية؟ وتضعها في خانة التشويش على "التيار" ورئيسه قيل الإستحقاق الرئاسي.