HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

المادة 57 من الدستور بين التفسير الدستوري والتفسير السياسي

16
NOVEMBER
2021
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

الدكتور سليم الزيبق - أستاذ محاضرفي كلية الحقوق - جامعة ستراسبورغ – فرنسا


ان الدساتير توضع لتنظيم المؤسسات العامة ولتأمين حسن سير عملها وليس لتغدو، كما هو الحال في لبنان مع الاسف الشديد ، "مصنعا" لأنتاج الأزمات السياسية وبالتالي لتعطيل عمل هذه المؤسسات.


فما أن طُوِيَت صفحة الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري على تفسير المواد الدستورية المتعلقة بدور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة ، حتى برزت مسألة تفسير عبارة "الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً" التي تشير إليها المادة 57 من الدستور التي تلحظ أن :


" لرئيس الجمهورية ... حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ... وعندما يستعمل حقه هذا يصبح في حل من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً...."
فإذا اعتبرنا ان هذه العبارة تعني عدد النواب كما يحدده قانون الإنتخاب اي 128 نائبا، تكون الغالبية المطلقة 65 نائبا. اما اذا اعتبرنا ان هذه الغالبية يجب ان تحسب على أساس عدد النواب الأحياء ، دون المتوفين والمستقيلين ، أي 117 نائبا حاليا ، تكون الغالبة المطلقة 59 نائبا. علماً أن حساب هذه الغالبية يتم على أساس العدد الكامل الصحيح الذي يأتي بعد النصف.


في معرض التصويت على قانون تعديل قانون الإنتخاب، الذي ردّه رئيس الجمهورية إلى مجلس النوّاب بتاريخ 22 تشرين الأول 2021، بموجب المرسوم رقم 8421، تم إقرار المادة المتعلقة بتصويت المغتربين بأغلبية 61 صوتاَ، أي على أساس أن الأغلبية المطلقة هي 59 نائباَ وليس 65 ، مما أدّى إلى انسحاب نواب كتلة التيار الوطني الحر من الجلسة. فبالنسبة لرئيس هذه الكتلة الوزير جبران باسيل، " أن ما حصل لجهة اعتبار ال59 كأكثرية مطلقة يعتبر تعديلا للدستور". وهذا ما أكده ايضا عضو كتلة تيار المستقبل، النائب سمير الجسر، الذي اعتبر " أن الاكثرية المطلقة تكون بشمول 65 نائبا لأنه، وفق القانون، "من يؤلفون المجلس قانونا هم 128 نائبا". أما رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي فقد وافق على أن الأغلبية المطلقة هي 59 صوتا معتبراً أن هذه الأغلبية تتغير حكما بفعل الإستقالة والشغور بالوفاة، بالإضافة إلى أنه "بعد اتفاق الطائف أصبح تفسير الدستور يعود إلى المجلس النيابي"، الذي حسم الأمر في هذا الاتجاه منذ مدة طويلة.


يتضح مما تقدم أن هذا الخلاف يتعلق بمسألتين: مسألة تفسير عبارة " الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً"، ومسألة حق مجلس النواب في تفسير الدستور بالنسبة للمسالة الاولى تجدر الأشارة الى إن الخلاف على معنى عبارة "الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً" يعود إلى سنة 1979 إثر انخفاض عدد النواب من 99 الى 94 بسبب الوفاة. ففي معرض مناقشة قانون اعاده رئيس الجمهورية الى مجلس النواب استنادا الى المادة 57 من الدستور، إحتدم النقاش حول تفسيرهذه العبارة . فهل أن الغالبية تحسب على أساس عدد النواب كما يحدده قانون الإنتخاب (أي 99 نائباً قبل الطائف و 128 حاليا) أم على أساس عدد النواب الأحياء فقط (أي 94 نائبا سنة 1979 و 117 نائبا حاليا)؟ . ففي الحالة الأولى، وبالنسبة لقانون تعديل قانون الإنتخاب الذي تم إقراره في 28 من الشهر الماضي، تكون الغالبية المطلقة 65 صوتا وبالتالي يكون قد تم التصويت على البند المتعلق بالمغتربين بأغلبية 61 صوتا، اي بصورة مخالفة للدستور. أما في الحالة الثانية فتكون هذه الغالبية 59 نائبا، وبالتالي لا يمكن الادعاء بأي مخالفة دستورية.


من نافل القول ان هذه المسألة ادت الى بروز رأيين متناقضين. فبالنسبة للرأي الأول ان عبارة "الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء" تعني الغالبية على أساس عدد النواب الأحياء، حاضرين أو متغيبين دون المتوفين والمستقيلين. ان هذا التفسير الذي يعود الى ما قبل اتفاق الطائف، يرتكز على إستشارة العميد جورج فيديل الموقّعة بتاريخ 8/12/1979. (بشارة منسّى : الدستور اللبناني، أحكامه وتفسيرها، مطابع غزير 1998 ص. 326). فبالنسبة للعميد فيديل ان السؤال الأساسي هو معرفة ما إذا كان المقصود بعدد "الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا" هو عدد المقاعد المشغولة أو الشاغرة (sièges occupés ou vacants) ام عدد المقاعد المشغولة فقط؟ للإجابة على هذا السؤال ، اكد العميد فيديل ان الجواب الوحيد الممكن هو الذي يعتبر ان المادة 57 من الدستور لا تعوّل إلا على المقاعد المشغولة (Les sièges ayant un titulaire).


دعما لهذا الرأي إرتكز العميد فيديل على صراحة النص وحكمته. فبالنسبة له ،ان هذا التفسير ينسجم مع صراحة نص المادة 57 التي تعوّل على عدد " الاعضاء " وليس على عدد "المقاعد" . فالعضو (membre) هو الذي يشغل مقعدا في المجلس فاذا توفي أو استقال لا يبقى عضوا في المجلس.


أما بالنسبة لأستعمال المادة 57 عبارة » "قانونا-légalement- « فان القصد من ذلك ، بالنسبة للفقيه الفرنسي، ليس اخذ الموتى بعين الاعتبار في احتساب الغالبية المطلقة وأنما عدم أقصاء المتغيبين او الممتنعين من هذه الغالبية . ومن حيث حكمة النص، فلقد اشار العميد فيديل ان الاموات لا رأي لهم ولا صوت ومن غير المقبول الزام رئيس الجمهورية " بسكوتهم الإجباري" ، بعكس التغيّب او الأمتناع الذي يعبر كلاهما عن رأي.
يتضح مما تقدم ان الحجة الاساسية التي يعتمد عليها العميد فيديل تكمن في ان المادة 57 لا تشير الى عدد "المقاعد" وأنما الى عدد "الاعضاء "
«Le premier (argument)- à lui seul décisif- est un argument de texte. Le nombre de référence n’est pas celui de « sièges »(occupés ou non occupés), mais celui de « membres » . Or le membre d’une Assemblée est celui qui occupe un siège ».
يجب الاعتراف أنه من الصعب فهم منطق هذه الحجة. فهل من الغرابة بمكان أن يشير نص قانوني يتعلق بالتصويت على قانون إلى "الأعضاء" وليس إلى "المقاعد" ؟ فليُسمح لنا بالتذكير أن "الأعضاء" هي التي تصوّت على القوانين وليس "المقاعد".


بالإضافة إلى ذلك فان المادة 49 من الدستور الفرنسي الحالي، التي تتعلق بمسؤولية الحكومة امام الجمعية الوطنية تنص على ان عريضة حجب الثقة (la motion de censure) يجب ان يتم التصويت عليها "بغالبية الأعضاء الذين يؤلفون الجمعية العمومية.


« … seuls sont recensés les votes favorables à la motion de censure qui ne peut être adoptée qu’à la majorité des membres composant l’Assemblée … »
بالرغم من ان هذا النص لا يستعمل كلمة légalement اي "قانونا"، التي تستعملها المادة 57 من الدستور اللبناني، فلقد جاءت المادة 68 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية لتنص على أنه "عندما يفرض الدستور التصويت بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون الجمعية العمومية فان هذه الغالبية تحسب على أساس المقاعد المشغولة فعلا".


« lorsque la Constitution exige pour une adoption la majorité absolue des membres composant l’Assemblée, cette majorité est calculée sur le nombre de sièges effectivement pourvus » فما الفائدة من هذا النص التفسيري اذا كان المشرع الدستوري الفرنسي لا يعتبر ان عبارة " غالبية الأعضاء الذين يؤلفون الجمعية العمومية " التي تنص عليها المادة 49 من الدستور الفرنسي، يجب ان تحسب على اساس عدد النواب الذين تتألف منهم الجمعية الوطنية اي 577 نائبا ؟ .


بالأضافة الى ذلك فلقد دافع الدكتور ادمون رباط ، منذ البداية، عن وجهة نظر مناقضة للتي اعتمدها العميد فيديل. فبالنسبة للدكتور ادمون رباط أن المادة 57 تتكلم عن مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا (légalement) وأن لا معنى لهذا النص إلا إذا كان المقصود عدد النواب المحدد في قانون الأنتخاب أي العدد الثابت (invariable, immuable .
(Edmond RABBATH : La constitution libanaise, librairie orientale, Beyrouth 1982, p. 247)
كذتك اشار الدكتور رباط (نفس المرجع، ص. 389) ان المادة 57 بصيغتها الأساسية، أي قبل التعديل الدستوري الذي ألغى مجلس الشيوخ سنة 1927، كانت تنص صراحة على أن " المراكز الشاغرة بالوفاة أو الاستقالة لا تدخل في الحساب"


art. 57 … le Président n’est tenu de promulguer la loi que si cette loi a été votée au Sénat et à la Chambre des députés par la majorité absolue de l’une ou de l’autre Assemblée : les sièges vacants par décès ou démission ne sont pas comptés.
اما سنة 1927 فلقد استعيض عن النص السابق بالنص الحالي الذي يتكلم عن الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. فهذا التعديل بالنسبة للدكتور رباط والدكتور إدمون نعيم* أيضا يثبت إلغاء القاعدة السابقة واستبدالها بقاعدة جديدة حيث أصبحت هذه الغالبية تحسب على أساس عدد النواب الذي يحدده قانون الانتخاب دون اعتبار المقاعد الشاغرة.


*(Edmond Naim, journal le Réveil 4/2/1980) (اميل بجاني، إنتخاب رئيس الجمهورية في النصوص والممارسة، منشورات صادر، ص.71)
من الناحية السياسية تخوف الدكتور رباط من النتائج التي سيترتب عليها تطبيق نظرية العميد فيديل. فبالنسبة للدكتور رباط إذا تضاءل عدد النواب الأحياء إلى درجة منخفضة يصبح من السهل إجبار رئيس الجمهورية على نشر القانون بعدد ضئيل من النواب. إن خطورة هذا التفسير تتضاعف عندما نعلم ان الدستور يفرض ايضا غالبية موصوفة لانتخاب رئيس الجمهورية (م. 49) ولتعديل الدستور (م. 77 و 79(.La Constitution libanaise, op.cit., p. 249

من أجل وضع حد لهذا الجدل، وافق مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 29 ايار 1980، على القرار الذي اتخذته اللجان النيابية المشتركة والذي يقضي باعتماد نظرية العميد جورج فيديل. فبحسب النص الحرفي لهذا القرار" إن عبارة الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا تعني الغالبية محسوبة على أساس عدد النواب الأحياء حاضرين أو متغيبين، دون المتوفين". أما الأسباب التي دعت الى اتخاذ هذا الموقف فهي نفسها التي اعتمدها العميد فيديل في استشارته سنة 1979.
تجدرالاشارة ايضا الى انه فيما يتعلق بجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إعتمدت اللجان المشتركة، بتاريخ 16 اب 1982، نفس الموقف إذ اعتبرت انه لا يدخل في حساب النصاب والأكثرية إلا النواب الاحياء تمشيا مع القرار المتخذ سنة 1980 بشأن المادة 57 من الدستور. إلا أنه تمت معارضة هذا القرار من قبل عدة شخصيات سياسية كالرئيس شمعون و العميد ريمون إده . لكن ذلك لم يمنع تطبيق هذا الإجتهاد على جلسات انتخاب عدة رؤوساء جمهورية .


أخيرا تجدر الإشارة الى ان التفسير الذي اعتمده مجلس النواب سنة 1980 والذي أخذ به الرئيس بري لم يعد ساري المفعول وذلك بموجب قانون ولا أوضح. فالمادة الأولى من القانون رقم 11 تاريخ 8 اب 1990 تنص على ما يلي :
" بصورة إستثنائية، وحتى إجراء إنتخابات فرعية او عامة وفقا لأحكام قانون الإنتخاب، يعتبر عدد أعضاء مجلس النواب الأعضاء الأحياء". (الجريدة الرسمية، عدد32 ، تاريخ 9 اب 1990، صفحة 329).


فهل من حاجة تبقى لإثبات أن الحالة الاستثنائية، التي لا تاخذ بعين الاعتبار إلا الأعضاء الأحياء، انتهت بفعل اجراء عدة انتخابات فرعية وعامة منذ صدور هذا القانون حتى يومنا هذا؟ ومع نهاية الأستثناء لم تبق إلا القاعدة التي تقضي بأن يتم احتساب الغالبية المطلقة على أساس عدد النواب المحدد في قانون الإنتخاب، اي 128 نائبا، و بذلك يكون قد تم التصويت على قانون تعديل قانون الإنتخاب بصورة مخالفة للدستور.
إلا أن المسالة الأساسية التي تطرحها هذه القوانين "التفسيرية" هي معرفة موقف المجلس الدستوري من دستوريتها. فمنذ إنشاء المجلس الدستوري ، لم يعد لمقولة " أن المجلس سيد نفسه" من معنى إلا عندما يجتمع المجلس النيابي كسلطة تاسيسية - pouvoir constituant- لتعديل الدستور. ففي هذه الحالة تنبع "سيادة" مجلس النواب من عدم صلاحية المجلس الدستوري لمراقبة دستورية القوانين التي يتم بموجبها تعديل الدستور. فشرعية المجلس الدستوري ،كهيئة غير منتخبة، ترتكزعلى انعدام هذه الصلاحية لأنه لا يمكن ، في مجتمع ديموقراطي ، أن يكون للمجلس الدستوري الكلمة الأخيرة في حال خلافه مع ممثلي الشعب.


أما بالنسبة للقوانين العادية، فلقد تحول مجلس النواب من سيد إلى "مُراقَب" – contrôlé- مما يشكل نفيا لأي سيادة. فمن المعلوم أن الاجتهاد الثابت للمجلس الدستوري في لبنان وفرنسا " إن القانون لا يمثل الارادة العامة إلا بقدر توافقه مع أحكام الدستور" التي يرعاها المجلس الدستوري.( م . د. J. قرار رقم1 /2005، تاريخ 16/08/2005).
« La loi votée n’est l’expression de la volonté générale que dans le respect de la Constitution » C.C., 23/08/1985.
فمما لا شك فيه أن أي قانون عادي يعمد إلى تفسير مادة دستورية سيُعاقب من قبل المجلس الدستوري لعلة تعد يل الدستور خلافا للأحكام والإجراءات الدستورية المتعلقة بهذا التعديل.


وهذا ما عبر عنه بشكل واضح ومختصر النائب الدكتور ألبير منصور أثناء مناقشة التعديل الدستوري تنفيذا لاتفاق الطائف، عندما قال:" نحن أمام واحد من أمرين : إما ان يكون تفسير الدستور له أصول كتعديل الدستور ويعود هذا الأمر للمجلس النيابي. وإما أن يكون تفسير الدستور أمرا عاديا كقانون عادي، عندها للمجلس الدستوري حق مراقبة هذا التفسير".(خالد مكي: الوثائق الدستورية اللبنانية منذ سنة 1860، منشورات صادر، ص. 288)
كذلك من البديهي القول أن أي قانون ، تفسيريا كان أم لا، يتم التصويت عليه خلافا للإجراءات التشريعية التي ينص عليها الدستور، كالنصاب والغالبية على سبيل المثال، يمكن معاقبته من قبل المجلس الدستوري. فهل سيتسنى لهذا المجلس مراقبة قانون تعديل قانون الإنتخاب الذي أقره المجلس في جلسته المنعقدة في 28 تشرين الاول 2021 لنعرف، اخيرا، المعنى الدستوري لعبارة " ...مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا" ؟
لعل وعسى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING