مقدمة "ضروري نحكي" مع داليا داغر:
قبل بضعة أيام غرد رئيس الجمهورية لحث المغتربين على زيارة بلدهم في هذه الأيام الصعبة لمساندة أهلهم من جهة، ودعم المؤسسات السياحية التي تلعب دورًا أساسيًا في استقطاب العملة الصعبة عند الانهيارات الاقتصادية. وإذا بردود الفعل السلبية تنهمر كالعادة، حيث لا يمكن تقديم أي طرح إيجابي من دون أن يُستفز البعض، فيسارع إلى القصف العشوائي. لذلك.... ضروري نحكي..
ضروري نحكي ونؤكد أنها أيام صعبة جداً، ونحن في جمعية سطوح بيروت من أكثر من يعلم بهذا الواقع بحكم انخراطنا الكامل في العمل الاجتماعي.
نعلم أنها أيام صعبة جداً، وأن أجر الموظف لا يكفي لمشوار واحد إلى الدكان. نعلم أن الكهرباء والمياه والمحروقات والدواء وغيرهم مهددين بالكامل. نعلم أن الشاطئ والبحر والنهر يملأهم التلوث. نعلم أن الفساد لم يترك أخضراً او يابساً. نعلم أن المصارف تاجرت بجنى عمر المقيم والمغترب. نعلم هذا كله وأكثر، وقد أمضينا السنوات العشرة الماضية في الحديث عنه. لكن ... ما المطلوب؟ هل نرفع الرايات البيضاء ونقول للأزمة أن تسحقنا؟ هل نقول للموت يا موت اخطفنا؟ هل نحمل يدنا المكسورة ونذهب لتسول المزيد من الديون، رغم معرفتنا أن أحداً لن يديننا؟
بعد الانتقاد المحق... ماذا نفعل؟ نواصل الذمّ ببلدنا أكثر فأكثر؟
طبعاً لا. للمرة المليون لا؛ السلطة السياسية شيء والبلد شيء آخر. مصالح السياسيين شيء ومصالح الناس وحقوقهم شيء آخر.
حين نتحدث عن السياحة فإننا لا نقصد المواطن اللبناني المقيم، فنحن نعرف جيداً ماذا تعني الخمسين دولاراً بالنسبة له اليوم، وأنه لا يحتمل إنفاقها على غير ما هو ضروري جداً. ولذلك نتوجّه للمغترب اللبناني والسائح الأجنبيّ لنقول له إن هذه الخمسين دولاراً ستفعل بها هذه الأيام في لبنان ما لا يمكن أن تفعله في أي دولة سياحية أخرى في العالم.
فالأسعار خيالية بالنسبة للبنانيّ لكنها ليست كذلك بالنسبة لمن يتقاضى الدولار أو اليورو.
نحن اليوم مثل قبرص واليونان وتركيا قبل بضعة سنوات، ومثل تبليسي ويريفان ودوبروفنيك وشرم الشيخ بالنسبة للسائح. بلد يمكن تمضية خمسة ايام فيه بأقل من خمسمئة دولار. ولا يفترض بهذا أن يستفز أحدًا، كما لا يفترض بأحد أن يعتقد ان هذه الدعوة موجهة ضده، فهي لا تفيد زعيمًا أو سياسيًا أو حزبًا أو وزيرًا؛ إنما يستفيد منها صاحب الفندق وبيوت الضيافة والموظفين فيهم، ويستفيد منها المطعم والموظفين فيه، تمامًا كالمزارع والحرفي والباعة والأسواق الشعبية؛ وتفيد أيضًا الدورة الاقتصادية وتضخ بعض الدولارات في جيوب اللبنانيين.
ضروري نحكي الليلة ونقول إن الانتقاد ضروري دائماً، لكن الفرق كبير بين هذا الانتقاد والسلبية المطلقة التي لا تميز في غضبها ونقمتها بين الخصم والضحية؛ القطاع السياحي ليس فنادق ومطاعم فقط؛ نحن لا نراه ولا نريده عند هذا الحد، نحن نراه ونريده أسواقاً شعبية ونقلًا ودورة اقتصادية كاملة تحرك القرى الجبلية والمدن الساحلية البعيدة وتفيد المزارع والحرفي والنوادي الرياضية البيئية الجبلية والبحرية.
الظروف صعبة جداً والتحديات كثيرة جداً لكن لبنان هو لبنان؛ لبنان ليس زعيمًا أو سياسيًا أو حزبًا. لبنان هو لبنان وهو ينتظر المغترب والسائح الأجنبي.