رحل جزء من تاريخنا الموسيقيّ والشعريّ مع رحيل العملاق اللبنانيّ والمشرقيّ الياس الرحباني. اليوم اكتمل الثالوث بهذا الرحيل، فبات الياس إلى جانب عاصي ومنصور سكنى الملكوت ينشدون أناشيد النصر التي أنشدوها على الأرض وكان المسيح بشكل أو بآخر مديدّا مع صرخة الحق وانبثاث الجمال وهدير الحريّة وسطوع الحقّ.
مع رحيل الياس المبكر، يسوغ لي الاعتبار بأن النشأة الأرثوذكسية عنده وعند تلك العائلة أغنته ورفدته يالطقوس التي استحبوها والنصوص التي تذوقوها ليحتلّوا المقام الأول في الثقافة المشرقية العربية شعرًا ولحنًا.
جاء الياس من هذا المعين، ولم ينفك يومًا عن جذوريته اللبنانية، ولم يكن بعيدًا عن الروح المشرقية، وجرحته قضية فلسطين فكان مواكبًا لآلامها مع عاصي ومنصور وبصوت فيروز العظيم، وانطلق نحو العالمية فغدا جسرًا راقيًا بين الشرق الغرب، فجاء التلاقح الموسيقيّ على أبهى ما يكون، ليغدو فنّنًا كونيًّا بامتياز.
يحزنني غياب عملاق مثل الياس في ظروف كنا نراه يواجهها بصلابة، مؤمنًا بالقيم الروحية العميقة والأسس الوطنية الشريفة، فرأيناه مدافعًا عن وطنه كواحة للجمال وعن الهوية في الموسيقى والغناء معتمدًا على أن الرسوخ في الهوية منطلق كبير لكل انفتاح طيب ومبارك. هذا كان خطابه وتوجهه في دفاعه المستميت عن كرامة الفنّ واللبنانيّ وعن دور هذا الفن في بناء كونية تتسع للتسالم بين الشعوب وحوار الحضارات.
الياس الرحباني الوجه الطيب والباسم الفكاهيّ والمرح... لن ترحل عنا بل ستبقى متحركًا وخالدًا في تراثك الذي هو تراثنا وجزء غال من هويتنا.
في عيد الظهور الإلهيّ بحسب التقويم الغربيّ وعيد الميلاد بحسب التقويم الشرقي، أرفع دعائي من القدس وبيت لحم ليتغمّدك الرب الإله بواسع رحمته ملتمسًا من لدنه التعزية لعائلتك الكريمة وللبنان وللمشرق.. وموعدنا معك يتجدّد من سطوع النور من بيت لحم إلى القدس في المسيح المولود والظافر.
المطران عطالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس