دحضآ للرواية المغلوطة التي وردت مؤخرآ على لسان الكاهن الأرثوذكسي الزحلاوي جورج سمير معلوف في برنامج "سلم علسما" الذي بثته محطة ال "او تي في" قبل أيام، والتي تقول بأن يوسف كرم اخٌل بوعده في الدفاع عن مدينة زحله خلال احداث ١٨٦٠، وبأن خلافه مع مشايخ كسروان آل الخازن يدخل في اطار التنافس على الزعامة المارونية، تمامآ كما يحصل اليوم بين الزعماء الموارنة.
ودحضآ ايضآ لما جاء في كتاب "تاريخ لبنان" للمؤرخ كمال الصليبي، والكثيرين غيره ممن كتبوا عن تلك الحقبة وحرفوها وشوهوها عمدآ او دون عمد، ولأننا ما تعودنا إلا لنشهد للحقيقة وندافع عنها مهما كانت الصعوبات.
هذه الأسطر هي لسرد حقيقة ما حصل مع كرم ولماذا لم يتمكن البيك من الدفاع عن زحلة.
في اواخر سنة ١٨٥٩، ومع بداية الاحداث التي حصلت بين المسيحيين والدروز في بلدة بيت مري المتن، جمع يوسف بك كرم اعيان اهدن وبشري في بلدة "بان" القريبة من إهدن ووضعهم في اجواء ما يحصل، وتوقع أيام سوداء تنتظر اللبنانيين، كذلك أظهر تشاؤمه وتخوفه من تطور هذه الاحداث في الأشهر القريبة.
مع بداية شهر حزيران ١٨٦٠، وصلت الأخبار الى اهدن عن تعرض المسيحيين في الشوف للمذابح الجماعية، فجمع كرم حوالي ٤٠٠ مقاتل من ابناء اهدن و١٧ من حدشيت وزحف بهم الى بكفيا، فعرج في طريقه على ساحل الكورة والبترون وجبيل وكسروان وإستُقبل على وقع دق الاجراس والزغاريد والصلوات، فانضم اليه العديد من اهالي البلدات التي مرً فيها، فوصل الى بكفيا بعد يومين على رأس ٢٠٠٠ الفي مقاتل.
ووصلت الأخبار بأن الدروز ضربوا جزين وسواحل بيروت وفرقوا شمل اهلها ووصل المنهزمون الى جونية، وبأن البطريرك الماروني بولس مسعد اعد مركبآ في جونية وحزم عفشه وهو عازم على السفر في البحر الى جهة غير معلومة، بعد ان وصلته أخبار عن ان الزعيم الدرزي حسين تلحوق زاحف لإحتلال بكفيا وكسروان.
وصل كرم الى بكركي فلاقاه البطريرك والمطارنة والحضور، فتشددت عزائم البطريرك وأهل الوطن. مكث كرم ليلته في بكركي وتابع سيره صباح اليوم الثاني الى بكفيا. وحين علم الزعيم الدرزي بوصول كرم الى بكفيا عدل عن هجومه وعاد ادراجه جنوبآ الى بلاد الدروز، بعد ان صار على ابوابها وكاد يضرم النار في منازلها.
في اثنائها اعلن البطريرك مسعد حرمآ كنسيآ على كل مسيحي يستطيع حمل السلاح ولا ينضم الى جيش كرم.
اتخذ كرم من قصر الأمير حيدر اسماعيل اللمعي في بكفيا مقرآ له، هكذا يمنع تقدم الدروز الى بكفيا وكسروان، وفي الوقت نفسه يبقى على مقربة من مدينة زحلة، التي كانت مهددة بالغزو من قبل الدروز ايضآ.
وفي الوقت الذي كان كرم يستعد فيه للدخول في المعركة، وصل اليه مبعوثان حاملين رسالتين من قناصل فرنسا والنمسا يوعزان له بأن يعود الى الشمال ويحظرونه التدخل في حوادث جنوب جبل لبنان والابتعاد عن المشاكل، وبأنه لا علاقة له بها، لأن تدخله سيشعل الثورة في البلاد وسيغضب الحكومة التركية التي ستلقي بكامل المسؤولية على المسيحيين وقد تنتقم منهم، وبأنهما يعملان مع الوالي التركي خورشيد باشا على تهدئة الأمور، وبأن فرنسا والنمسا مستعدتان للتدخل بقوة لحماية المسيحيين في لبنان، وقد تم ابلاغ الباب العالي بذلك. اما في حال عدم التزام كرم بهذه التوجيهات فسيحملانه المسؤولية الكاملة عن الحرب الاهلية التي يمكن أن تنشب بسببه.
وكان خورشيد باشا قد اجتمع مع قناصل اوروبا في بيروت ووعدهم بارسال قوات حكومية على عجلة الى المناطق التي وقعت فيها المذابح لإستعادة الأمن اذا تعهدوا بمنع كرم من السير الى زحلة.
وافق قناصل اوروبا رأي الوالي التركي وكتبوا الى كرم يخبروه بأن نية الوالي تغيرت من السواد الى الأبيض وأنه وجه قوة تحمي زحلة وسائر الاقطاعات المختلطة، وانهم تعهدوا امام الوالي بمنع كرم من مبارحة بكفيا الى زحلة او غيرها من بلاد الدروز، والا كان مسؤولآ عما يحدث، ليس فقط امام الباب العالي، انما امام اوروبا بأسرها.
لم تخف على كرم حيلة خورشيد باشا، ولكن ما العمل؟ فهل يقاوم السلطة التركية ويدافع عن بلاده غير مكترث لأوروبا ولا ملتفت لمعتمديها؟ او يبقى واقفآ والعسكر التركي يسير بالدروز الى زحلة ولا يتصدى هو بالدفاع عنها؟
وإذ رأى نفسه امام شرين، فإتخذ القرار ان يبقى في بكفيا ما دام الدروز لا يهاجمون النصارى، وقد اعلم القنصل الفرنسي بذلك.
وكانت السلطنة العثمانية تسعى من خلال ذلك الى القضاء على استقلال جبل لبنان، فشجعت جميع الفئات على الإقتتال كي يتسنى لها وضع اليد عليه والتخلص من مطالبة الموارنة بالحكم الشهابي والاستقلال.
التزم كرم بكلام القنصل الفرنسي الكونت بنتيفوليو، إذ كان يحب فرنسا كثيرآ ويثق بها، فمكث في بكفيا ووضع شرطآ لعدم التقدم جنوبآ على ان تتوقف المذابح بحق المسيحيين. ولكن الأخبار التي كانت تتوالى على كرم لم تكن مشجعة، إذ وصله أن اعداد المسيحيين الذين قتلوا ذبحآ في الشوف وحاصبيا وراشيا والمتن تجاوز ال ٧ آلاف قتيل، فأمهل كرم القناصل ٤٨ ساعة كي تتوقف هذه المذابح والا سوف يتدخل شخصيآ في حسم الأمور.
وصلت الى كرم الأخبار عن محاصرة الدروز لمدينة زحلة، فأخذ القرار بالتدخل فورآ وارسل الأمير داوود مراد اللمعي على رأس ٢٠٠ مقاتل الى زحلة للدفاع عنها، ورافقهم ثلاثة رهبان لارشادهم الطريق، فوصلوا الى دير مار الياس شويا وهو على مسافة ست ساعات من زحلة، وابقى على قوة كافية للدفاع عن بكفيا، فلاقاهم وفد من الزحلاويين في منتصف الطريق، وألحوا على كرم الاستعجال في الوصول، فوعدهم كرم ان يكون في اليوم التالي في زحلة. وحين وصل اللمعي صباح اليوم التالي ١٨ حزيران الى مشارف زحلة كان الدروز قد دخلوا المدينة واحرقوها وانسحبوا الى جبالهم العالية.
وكانت زحله قد تصدت لأيام عدة للعديد من الهجمات قبل ان يصلها الزعيم الدرزي اسماعيل الأطرش بمعونة الجنود الاتراك على رأس جيش مؤلف من حوالي عشرة آلاف مقاتل. وكان في عداد هؤلأ المقاتلين اتراك وعشائر عرب وقبائل سنة ومتاولة...
وكان الاتراك والدروز قد علموا قبل ايام قليلة بتحركات كرم، فهاجموا المدينة على حين غفلة قبل ان يتمكن كرم من الوصول اليها، إذ اعتمدوا الحيلة لدخولها، فتقنعوا بلباس رجال كرم ورفعوا الصلبان وصور العذراء مريم في مقدمة الموكب المتجه الى زحلة. وحين وصلوا على مقربة من المدينة انشدوا اغاني كرم لإيهام اهاليها بوصول البيك اليها، وقد تم كشفهم ولكن متأخرآ إذ كانوا قد دخلوا المدينة وعاثوا فيها خرابآ واحرقوها، بعد ان تمكن العديد من اهاليها من الخروج منها والتوجه الى جرود كسروان.
يجدر بالذكر هنا الى ان الأنانية والخلافات المذهبية والعائلية بين اهالي زحلة، والتي كانت قد سبقت الهجوم على المدينة، ساعدت الغزاة على دخولها وحرقها، فيما الدروز كانوا اكثر انضباطآ ومتوحدين حول مشايخهم.
وكان العسكر التركي قد نزع سلاح النصارى في دير القمر بحجة انه يريد جمع سلاح الدروز تفاديآ من الحرب الأهلية، ثم جمع النصارى وقدمهم للدروز فذبحوهم بصورة فظيعة لم يُسمع بمثلها، حتى ان عقلاء الدروز واعيانهم الذين اتصفوا عمومآ بالانسانية، لم يشتركوا بهذه الجريمة، بل صرحوا عن إستيائهم من هذه الاعمال الجائرة وقالوا: "كان أحب الينا ان تضحي الحكومة بنا مع مواطنينا النصارى من ان تستخدم جهالنا لإنفاذ هذا العمل المعيب".
فيما يلي بعض ما ذكر في محفوظات بكركي من وثائق والتي ورد ذكرها في كتاب "يوسف بك كرم وزحلة" للكاتب يوسف فنيانوس
المؤرخ الدكتور رتيب عمون عيد
...لو تسنى ليوسف كرم، بدعم من بكركي والزعماء المسيحيين، ان يجمع الموارنة تحت قيادته ويبادر الى تنفيذ مخططه بالحرب السريعة والمفاجئة، لتمكن من السيطرة على الموقف، ولمنع القوى العدوة من التجمع وتوحيد قواها، ولكن بكركي لا تسمح بالمبادرة بالهجوم حتى لا يظهر الموارنة بمظهر المعتدين...
وبما انه كان لغبطة البطريرك من نفوذ بين ابناء طائفته، لذلك لم يجازف كرم بمصير الموارنة قبل استئذان بكركي والقنصل الفرنسي.
وكان القنصل قليل التدبير قاصرآ في سياسته لم يستطع أن يؤثر في منع الأحداث ولا عرف كيف تُدبر... وبما ان موقف البطريرك كان مرتبطآ بموقف القنصل الفرنسي، الذي كان يعتمد على قيام السلطة التركية بمهام قمع الفتنة، لذلك لم يطلق يد كرم بالحرب ولا شكل له تغطية معنوية، الأمر الذي جعل تحركه عاديآ وغير فعال بما فيه الكفاية.
قد يلام كرم على استسلامه للبطريرك والقنصل الفرنسي، رغم صعوبة تجاوزها، ولكن اللوم يسقط امام اقدامه حيث احجم الآخرون، وامام شجاعته حيث جبنوا... لقد ترك منطقته بمهب الريح، عرضة للأخطار، وسارع الى نجدة اخوانه المستضعفين، ورغم تضحياته جاءت الايجابيات دون النتائج المرجوة، إذ صار كل عمل عسكري جديد مرهونآ بإذن وموافقة البطريرك والقنصل الفرنسي وقرارهما. وبدلآ من توجيه اللوم والانتقادات لزعيم حاول إنقاذ المسيحيين المعرضين للخطر، وضحى بماله وسلامته ورجاله، كان الأفضل للمنتقدين الظلام ان يضيئوا شمعة. فالمسؤولية الكبرى تقع على بعض المتخاذلين من الامراء والمشايخ الشهابيين واللمعيين، سواء الذين تركوا لبنان الى مصر وقبرص ومالطة، او الذبن اعتقدوا ان تقاعسهم عن القتال هو رغبة في السلام والتعايش، وكأن القضية تعني كرم وحده دون غيره. فلو وضعوا امكانياتهم تحت قيادة كرم من اجل توحيدها لتغيرت أمور كثيرة. فالسكوت والانهزام في هذه الظروف هو قصر نظر وتخاذل.
المطران يوسف الدبس
...حين وقعت الاحداث في حزيران ١٨٦٠، اول ما عمد يوسف كرم على عمله هو رهن املاكه في اهدن واودعها قي بيروت طالبآ بالمقابل ٣٠٠ الف قرش لدعم تكاليف حملته لاغاثة المسيحيين.
الجنرال دوكرو قائد البعثة العسكرية الفرنسية في ١٨٦٠
...وبينما كانت الأسر الكبيرة في لبنان لا هم لها الا السعي في سبيل سلامتها وطلب الحماية لدى القناصل او في السفن الراسية في ثغر بيروت، كان يوسف كرم الوحيد الذي تظاهر بين مشايخ البلاد واعيانها وسار على رأس جيش من بضع مئات من الرجال الاشداء والمخلصين وحل على مسافة قريبة من زحلة.
الأب جوليان اليسوعي
كان يوسف كرم الوحيد السامي المدارك المتفاني في سبيل وطنه القادر على جمع كلمة النصارى وتولي قيادتهم. فإنه ما كاد يبلغه خبر هجوم الدروز على النصارى حتى هبط من اعالي لبنان وسار في مئات الفرسان مجهزين تجهيزآ عجيبآ ومستعدين للموت في سبيل اخوانهم.
رئيس الاباء اليسوعيين في بكفيا
...وبعد ايام وصل كرم بعسكره الى بكفيا يريد الذهاب الى زحلة. وكان اول شيء فعله انه اتى كنيستنا (سيدة النجاة) ومعه اكثر من الف جندي، فانشدهم البيك (طلبة السيدة) ومنحتهم انا البركة بايقونة العذراء، وطلبوا مني أيقونات صغيرة ليضعوها على صدورهم، ولبيت طلبهم.
هذا الرجل كان قلبه مشغولآ بمحبة العذراء مريم ومسبحته في يده وتمجيدها في فمه على الدوام.
الشيخ عبدالله الخوري الأسمر
...ولما درى اهل المتن بقدوم كرم اجتمعوا لإستقباله من كل الجهات وقد أعجبوا بشجاعة رجاله... وكانوا يهتفون له ويحدون بإسمه مما حرك عواطف الحسد في قلب بعض الامراء.
المؤرخ الفرنسي بوجولا
لقد كان في لبنان رجل نال شهرة حقيقية في الشرف والصدق والبسالة وهو يوسف كرم الذي يعرف عند الموارنة بالبيك، وكان اسمه في افواه نصارى زحلة، وكانوا ينتظروه ويعتمدون على مساعدته. على ان البيك لم يصل. لماذا؟ لقد تضاربت الاقوال في هذا الشأن واراد البعض توجيه سهام اللوم والذم الى البيك...
اليطريرك الماروني بولس مسعد
...في زحلة بقي النصارى مدة ثمانية ايام يدافعون عن أنفسهم لكن عندما تكاثرت الجماهير عليهم فما عاد بإمكانهم المقاومة...ولكن عندما تعين لهم رأس اخيرآ في بكفيا وهو يوسف بك كرم ووقف بوجه الأعداء فما عادوا تجرأوا على الوصول على المحلات التي كان فيها مع جمهور النصارى المنضم إليه. ولولا ذلك لكانوا اضرموا نار الحريق في بكفيا وبيت شباب وكسروان. إن مساعدة الحكومة التركية للدروز أوقعت الرعب بقلوب النصارى لتصورهم أنه لا يمكنهم مقاومة الدروز والحكومة والإسلام وباقي الشيعة المحمدية.
المؤرخ الأرمني السوري اسكندر ابكاريوس
عندما علموا أهل المتن وكسروان بالذهاب إلى زحلة دب الهلع في نفوسهم وعادوا إلى قراهم. إن سكان زحلة كانوا قبل نشوب نار الفتنة متفرقين الكلمة كثيري الخصام، لا قائد يقودهم ولا كلمة تجمعهم ولهم أعداء لا ينامون.
صحيفة الجيورنال الايطالية Il Vero Amico del Popolo
بيروت ٢ آب ١٨٦٠
من مقاطعة كسروان التي نجت بقوة الشيخ يوسف كرم من هجمات الدروز كان يوجد ٧٠ الف نسمة التجأوا إلى هناك ليخلصهم من الموت وهم عراة لا يطلبون سوى خبز يقتاتون. بطريرك الموارنة عين ثلاثة محلات في جونية وذوق مكايل وبكركي وفيها يوزع المعاش عليهم، وإذ صرف جميع ما كان عنده من المال فرهن أرزاق كرسيه على دين استخدامه. لا يوجد دير ولا بيت في كسروان لا يقسم رزقه لإولأك التعساء، حتى ان سكان كسروان صاروا على حالة ضيوفهم المذكورين.
لا يمكن التعبير عن غيرة وشهامة الشيخ يوسف كرم الذي يمكن أن يُدعى منقذ كسروان والذي بعد ان صرف ماله على ٥ آلاف رجل لحماية كسروان كي يساعد الفقراء الملتجئين استدان ٢٠٠ الف قرش كفالة الواقع. جميع النصارى يباركونه ويحترمونه...
القائد اسعد بولس المكاري
...وكانت ترد الينا الأخبار بأن الدروز هاجموا زحلة وان رجالها خرجوا إليهم، ثم عادوا إلى زحلة آخر النهار، الى ان كان يوم الأحد وقد اكتمل حشدهم وهاجموا المدينة من جهاتها الأربع، وشوهد الزحليون يخلون المدينة من يوم السبت، فدخل الدروز المدينة ولم يطلق بندقية. تقدمت مع الرهبان مسافة بعيدة إلى أن اشرفنا على المدينة فلم نجد هناك حربآ بل رأينا الناس ينهبون ويخرجون والسطوح بيضاء. فلما لم نجد حركة قتال في طرق المدينة ولا في اطرافها عدنا وأخبرنا البيك بما شاهدنا، فتقدم حتى أطل على المدينة ورأى ما كان فنادى برجاله أن لا يهبط أحد اليها، وتركنا زحلة ورجعنا بطريق الجرد مارين بنبع صنين...
الخوري منصور الحتوني
...إن الاسباب الأقرب إلى الصواب لإمتناع بعض قادة كسروان عن المشاركة في القتال الى جانب يوسف كرم قد تكون متعددة، منها الخوف من القتال أو التهرب منه أو عوامل الأنانية والحسد التي كانوا يضمروها للبيك...
الأب مارون كرم
من كل اعيان النصارى لم يوجد من يتصدى للمقاومة في حال هذه الزوابع إلا يوسف بك كرم الهدناني الذي أتى بعسكره وبلغ به حدود المتن.
الكاتب هنري جيبلير
...وصول يوسف كرم الى كسروان على رأس جيش من الأشداء الزغرتاويين حفظ منطقة شمال نهر الكلب من الكارثة التي كان اهالي غزير يشاهدون حرائقها من بعيد
نداء يوسف بك كرم الى كرامة الحكومات والشعوب
إن خورشيد باشا موظف الباب العالي خدع القناصل العموميين كي يتمكن من أن يدفع زحلة ودير القمر للجنود الأتراك والدروز الذين لولا الجنود لما تمكنوا من اقتراف المذابح في دير القمر ولما تجرأوا على الاقتراب من زحلة.
كان قائد الحامية التركية في دير القمر يعرض حمايته للنصارى مقابل تسليم الاسلحة، ثم يقف متفرجآ عليهم كيف يُذبحون...
خاتمة
نكتفي بهذا القدر من السرد التاريخي بالرغم من أن هناك الكثير من المستندات والوثائق التي بحوزتنا والتي تؤكد على وطنية كرم وحبه واندفاعه للبنان وشهامته وغيرته على شعبه وابناء جنسه.
لم يكن كرم يومآ طائفيآ لا بل كان يعتبر الدروز جزاء من النسيج الوطني، فكانت تجمعه علاقات وطيدة مع آل ارسلان، كذلك مع متاولة آل حرفوش في البقاع وآل كرامي في طرابلس وآغا في الضنية.
كرس كرم ذاته خدمة للقضية اللبنانية ورهن املاكه ليقود معاركه في سبيل الاستقلال، ونفي خارج لبنان لأنه أبى أن يعيش في القهر والذل، فكيف لا يكرس نفسه للقضية وهو صاحب مقولة "فلأضحي انا وليعش لبنان".
عاش كرم حياة التقوى والقداسة وتوفي بتولآ في مدينة رازينا بالقرب من مدينة نابولي الايطالية، وترك وصية بتخصيص الكثير من ارزاقه لعائلات الشهداء الذين حاربوا معه، ولا يزال جثمانه محفوظآ في كنيسة مار جرجس في اهدن من الفساد، وهذا ما أكده الفريق الطبي للجامعة الأميركية الذي كشف عنه في سنة ١٩٩٤.
لم يكن كرم زعيمآ اقطاعيآ محليآ بالمعنى المتعارف عليه، ولا كان يتنافس على الزعامة المارونية مع أحد، بل كان زعيمآ وطنيآ وعلى كافة الصعد، فكانوا الأهالي يقصدونه الى اهدن من كل لبنان ويشكون همومهم ومشاكلهم اليه من ارتفاع الضرائب من قبل السلطات، الى مصادرة المحاصيل الزراعية، الى الاعتداءات التي كانوا يتعرضون لها...، وكان هو يلبي مطالبهم جميعآ، وهذا ما أثار حفيظة السلطات التركية وحاربته طيلة فترة حياته قبل نفيه.
نختم هنا للتأكيد على أن يوسف بك كرم لم يكن زعيمآ عابرآ بل كان زعيمآ استثنائيآ تغلبت عليه غيرته وحبه للوطن، وبالتالي نتمنى على جميع اللبنانيين اعادة قرأة حياة كرم لإستخلاص العبر وكي لا تتكرر الأخطاء، خاصة في هذه الظروف االعصيبة التي يمر بها لبناننا اليوم.