HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

أيّ اختراق أمنيّ للبنان يستمد وجوده من كلام السفيرة الأميركية في بيروت (بقلم جورج عبيد)

3
DECEMBER
2020
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-
هل انتبه أحد إلى ما نقلته صحيفة الأخبار يوم أمس عن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا بصورة واضحة: "إنّ لبنان محكوم بتحالف من المافيا والميليشيا، وإنّ كل القوى السياسيّة حتّى الصديقة للولايات المتحدة، متعايشة مع هيمنة حزب الله، ولا بدّ من سقوط تلك القوى ليسقط حزب الله". وبتهديد عنيف مغلّف بتوصيف واضح لا التباس فيه قالت وكما نقلته الصحيفة المذكورة عنها: "إنّ كلفة التعايش مع حزب الله أكبر من كلفة خيار آخر، وليست مسؤوليتنا إنقاذكم إن لم تنقذوا أنفسكم".
 
توغّل السفيرة دوروثي شيا بهذا المنطق المنكشف، يستدعي من القارئ فهم علامات الأزمنة الآخذة بلبنان إلى أنماط نوعيّة في الاستهداف المباشر للتوجهات الداخلية بلا تمييز بين هذا أو ذاك من الأفرقاء، بين من اعتبرتهم أصدقاء والعدوّ الأوحد. فهي كسفيرة لدولة مخترقة (بكسر الراء) للأنظمة لا شكّ أنّها متكّئة على لحظة الانفجار الإرهابيّ الأقصى في مرفأ بيروت، الذي عبّر عن نوعيّة هذا الانكشاف ومحتواه وديمومته، وكشف الأهداف خلف نيرانه والموضبّة والمحدّدة منذ أزمنة طويلة. كما بدورها تتوكّأ على ما حدث في إيران مؤخّرًا مع اغتيال فخري زادة، في بلد يفترض بأن تكون منظومته الأمنيّة شديدة التماسك والانضباط خالية من يهوذا الإسخريوطيّ، لتكشف إرادتها الواضحة بل المنى من الحرب الأميركيّة الاقتصادية والمالية على لبنان برؤيتها المنقولة والمضمرة.
 
في الشكل والمضمون، إنّ ما نقلته جريدة الأخبار لا غبار عليه طالما أنّ السفيرة شيا لم تنفه البتّة. وبكونها لم ترسل بيان نفي وتنكّر، فإنّها تعني وبسفور ما تقول، وهذا الكلام المقول يعتبر خرقًا فاضحًا للسيادة اللبنانيّة وبصورة مباشرة، إذ هي تعتمد على ديمومة إعلان الحرب بقولها، "لا بدّ من سقوط القوى (المافيا، وهي حليفة لدولتها أو موجَّهة منها) ليسقط حزب الله"... وتبلغ بالذورة في القول إنّ كلفة التعايش مع حزب الله أكبر من كلفة خيار آخر"، ممّا بفترض بالدولة اللبنانيّة باستدعائها ليس من قبيل القيام بالتشاور أو للتباحث أو تقويم المواقف معها، بل لنهيها وإنذارها والأفضل طردها. لا تقوم المفاضلة هنا بين دولة عظمى وأخرى صغرى، بل إن المسألة بأن لبنان في القوانين الدولية دولة ذات سيادة والتعاطي مع السفراء ومن قبلهم يفترض بها أن تقوم على احترام سيادة الدولة وليس باختراقها بمنظومة عقوبات صدرت عن أميركا، وذروتها كانت على جبران باسيل أو تهديدات أطلقتها السفيرة يمنة ويسرة وفقًا لأجندتها ورؤية دولتها لهذا البلد ووظيفته.
 
ومع هذا فإنّ دوروثي شيا تتعاطى مع الملفّ اللبنانيّ باستباحة كاملة متخطيّة كلّ الأعراف الدبلوماسيّة المعمول بها والمتعارف عليها بين الدول وفقًا لاتفاقيّة فيينا الخاصّة بين الدول، لتكشف بما نقل عنها وبما لم تقله بأنّ هدف الولايات الأميركيّة المتحدة لم يعد محصورًا فقط بحزب الله أو علاقة العهد معه، بل كل الطبقة السياسيّة المتلاشية بنظرها والمتفاعلة تحت هيمنته. 
 
المذهل فيما نقل عنها قولها "لا بدّ من سقوط تلك القوى حتى يسقط حزب الله". السؤال المستوحى من "كلامها المذهل"، وكيف يسقطون، أو بالأحرى كيف ستسقطهم حتى يسقط حزب الله؟ 
 
كجواب ممكن في المدى المنظور، هذه السيدة تستند إلى أن بلادها تملك القدرات على اختراق الشبكات الأمنيّة من طهران إلى بيروت. ذلك أنّ العلامة الأولى للاختراق ظهرت في لبنان من خلال الاعتداء الأميركيّ-الإسرائيليّ المباشر على مرفأ بيروت، وقد وازى الاختراق الشلل الكامل بعدم تحوّل الشبكات عندنا من المراقبة إلى المنع، (والقضاء اللبنانيّ لم يصل حتّى الآن إلى خلاصات يستند عليها لإصدار الحكم)، والعلامة الثانية للاختراق ظهرت في طهران مع اختراق المنظومة الأمنية الصلبة فيها بمقتل العالم الإيرانيّ الدكتور فخري زادة، إذ ليس سهلاً على منظومة صلبة بالعمق قد تحولت إيران بفعلها إلى دولة إقليميّة عظمى وفاعلة في الإقليم، أن تخترق وتترنّح بضربة استراتيجيّة في عقر دارها باغتيال عالم امتلك شبكة علاقات قويّة من إيران إلى سوريا ولبنان وغزة.
 
من هنا إنّ السفيرة الأميركيّة تنطلق من استباحات أميركيّة-إسرائيليّة لهذا المدى بثقله الأمنيّ والسياسيّ، لتؤكّد المؤكّد في جوهر سياسة بلادها ورؤيتها. هذا يعني لمن يحسن القراءة بأنّ التقلّبات الأمنيّة متدحرجة بالضرورة إلى جانب التدحرج الاقتصاديّ والماليّ. ويبيح كلامها مبدأ الفوضى الأمنيّة المتشابكة بعناصرها والمتمايلة بمعاييرها ما بين اغتيالات قد تشهدها الساحة اللبنانيّة بضراوة في لحظة التقلبات في العلاقات العربيّة-الإسرائيليّة على الضفّة الخليجيّة مقابل استمرار المشرق العربيّ في ممانعته أيّة علاقة ممكنة مع إسرائيل سواء اتخذت التطبيع أو العلاقات الدبلوماسية عنوانًا لها. فعلى ضفّة الخليج، العلاقة تخطت مبدأ التطبيع على المستوى الإماراتيّ لتتحوّل إلى حالة اندراج وانصهار وربما استيلاد. يتجلّى هذا من الانكباب الإسرائيليّ على الاستثمارات في دبيّ وأبو دبي والشارقة... واستهلاك عناصر الضعف للامتلاك. على تلك الضفة انتهى عصر النفط الإسرائيليّ وبدأ عصر العقل الإسرائيليّ، السؤال المطروح هل الشعوب الخليجيّة سالكة في مناهج الأمراء وتحيا في الرضى؟ وهل لإيران قدرة على الاختراق في الخليج الذي سمي فارسيًا لقلب الطاولة، أو أنّ ما كتب قد كتب؟!
 
لقد أسندت دوروثي شيا ظهرها إلى حائط التطبيع الخليجيّ-الإسرائيليّ، وجاء كلامها شديد الانتساب إلى تلك اللحظة. إذ ماذا يريد الأميركيون من لبنان؟
 
قبل الإجابة على هذا السؤال، يفترض على اللبنانيين المنحازين بتطرّف إلى الخطّ الأميركيّ بإطلاقيّة مزدوجة، أن يفهموا، وبناء على كلام السفير نفسها، بأنّ دولتها سواء مع دونالد ترامب أو مع الرئيس الآتي لا تعتمد معيار الصداقة مع الدول والشعوب، بل تعتمد معيار الإخضاع وكليّة الخضوع، وقد قلنا غير مرّة عبر هذا الموقع بأنّ أميركا ليس لها أصدقاء بل لديها أجراء وعملاء، وتعاطيها السياسيّ في الملفّ اللبنانيّ ينطلق من هذا الفحوى. هل يتذكّر "أكابر وأكارم" فريق الرابع عشر من آذار ذلك الاجتماع الشهير بينهم وبين كوندي رايس وجيفري فيلتمان في السفارة الأميركية في عوكر خلال حرب تموز أي الحرب الإسرائيليّة على لبنان سنة 2006، وهل يتذكرون، ومنهم فارس سعيد المتشوّق لسقوط العهد تلك النعوت الحيوانيّة القبيحة التي نعتتهم بها، إلى أن خرج وليد جنبلاط معترضًا على قلة الأدب والتهذيب في التعاطي؟
 
ما ينقض هؤلاء المزيد من الكرامة. أن تفقد كرامتك أمام دولة تستبيحك وترضى بالاستباحة على الرغم من جبروتها فإنك تكون قد فقدت ذاتك وحضورك ومرمغت وجهك بوحل التاريخ ووسخه. من يعش بلا كرامة يعش بلا وجود وذات، ومن يعش بلا إسم يعش بلا إله ووطن، وهو قابل لكلّ مسحوقية تجور وتجوز عليه لأنه اقتبلها برضاه. 
 
يريد الأميركيون من لبنان سحق من يملك كرامة الدفاع عن الهوية اللبنانية بهالتها الوطنيّة وبعدها الميثاقيّ المسيحيّ-الإسلاميّ الفريد في العالم العربيّ. يريدون سحق من ساهم بنصر سوريا في حربها على التكفيريين، وردع إسرائيل بقوّة سلاحه من الاعتداء على شبر واحد من لبنان، ولنا بهذا السلاح قوّة في ترسيم مسار التفاوض غير المباشر وبكرامة ذاتية مع إسرائيل لكسب حقّنا في نفطنا ومياهنا وبرّنا.
 
السفيرة شيا قالت بوضوح، إنها تريد سقوط تلك القوى المتحالفة مع حزب الله، ودولتها قد نهت، على ما كشفت المعلومات، الرئيس المكلّف سعد الحريري من تأليف حكومة بشراكة مع حزب الله، أو بتسمية أحد من أعضائه أو المقربين منه وزيرًا. بمعنى أن الأميركيين يستكملون حربهم على لبنان باستهلاك العنوانين الماليّ والاقتصاديّ بالاتجاهين السياسيّ والأمنيّ، وهم من انقضّوا على المبادرة الفرنسيّة ووضعوا حدًّا لديمومتها وسريانها وسيلانها. 
 
فعدم التأليف، إيذان بأننا بتنا تحت خطر تحوّل البلاد نحو تفلّت أمنيّ أو فوضى أمنيّة. السؤال المطروح على أذهاننا، هل للأميركيين مصلحة بجرّ لبنان إلى ما هو أبعد، أو أنهم مرتاحون لهذا الشلل الذي نجحوا بترسيخه؟ فهو وعند بعض المحلّلين يجعل مسار اللعبة بقبضتهم، في حين أننا إذا بلغنا نحو التفلّت قد يسهل تحرير لبنان منها بفعل ردود الفعل على أفعالهم الفوضويّة والقاتلة؟
 
هذا يحتاج لتقييم دقيق. كما أنّ الاختراق للمنظومة الأمنية في إيران يحتاج من قبلها إلى تقييم وتحديد أسباب الخلل والقيام بعمليّة جراحيّة تطهيريّة. إنّ قول دوروثي شيا ينبئ بأن الخرق الذي حدث في إيران قابل ليتجسّد ويتجلّى في لبنان مع شخصيّة من القوى المحسوبة على الخطّ الأميركيّ للولوج إلى حالة فتنويّة تشعل الأرض اللبنانيّة حتى البلوغ إلى تسوية جديدة تقيم البلد في نظام سياسيّ جديد في ظلّ ترجح العالم العربيّ برمته ما بين التطبيع وعدمه.
 
ما نرجوه أن يعمّ الوعي عند الجميع بأنّ أي عمل أمني منتهك للبنان وسافك للدماء مشتله أميركا وإسرائيل. ما نقل عن السفيرة يضع كلامها تحت مجهر الأحداث المسوّغة له، في ظل حرب تشنّها "دولتها العظمى" على وطن الأرز حتى ينتهي حزب الله من المدى كلّه فيتحقّق التطبيع الكامل مع إسرائيل. 
 
وفي الختام، وفي تلك المواجهة، وحدتنا أرقى وأسمى وأقدس من عمالات تشلح أصحابها في مزابل التاريخ. 
   
   
 
 
جورج عبيد ,
MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING
  • online ordering system for restaurants
  • The best online ordering systems for restaurants
  •