جويل رياشي-
لا شيء يبدو قادرا على لجم ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في أسواق بيروت أمام الليرة اللبنانية، ولا يتوقف الأمر عند ارتفاع سعر الصرف، ذلك ان المعضلة تكمن في توافر الدولار لراغبين كثر.
وتتبدل أسعار الصرف بين فترات قبل الظهر إذ تشهد هدوءا واستقرارا، لترتفع في فترة بعد الظهر نسبيا، ثم يسجل الدولار قفزات صاروخية في فترة المساء وكأنه يسابق الجامايكي المعتزل أوساين بولت أسرع عداء على وجه الأرض، وصاحب الرقمين القياسيين العالميين في سباقي الـ 100 والـ 200 متر.
لم تعد المسألة تقتصر كما العادة على العرض والطلب، ذلك انها تسير في اتجاه واحد وهو الطلب على الدولار الأميركي، بعد تداعي كل الإجراءات الحكومية للجم تدهور سعر صرف الليرة، فلم يعد أمام اللبنانيين إلا الإقبال على شراء الدولار الأميركي متى توافرت في أيديهم مبالغ مالية بعد تمكنهم من سحبها من ودائعهم المحجوزة في المصارف.
وبات تأمين الدولار محصورا بمناطق معينة أبرزها الضاحية الجنوبية من بيروت، في ضوء امتناع صرافين كثر في مناطق لبنانية عدة عن تلبية رغبة زبائنهم في تأمين العملة الأميركية الخضراء، مرددين عبارة «ما عندي»، وتاركين زبائنهم أمام سلوك طريق واحد يكمن في تأمين الدولار من «منابع» أخرى سواء بالذهاب شخصيا أو عبر خدمة «الدليفري»، اذ يتولى دراجون إيصال رزمات الدولار الأميركي الى كل المناطق.
ولم يعد مستغربا طلب اللبنانيين للعملة الصعبة «الأميركية»، في ضوء تبدل الاسعار من مواد غذائية وغيرها، وارتفاعها توازيا مع سعر الدولار، واشتراط التجار ربط عمليات بيع بضائعهم على مختلف أنواعها بأسعار الصرف «بنت لحظتها».
وبات كثيرون يقيسون ما يملكونه من عملة صعبة، في ضوء ما هو متوافر بين أيديهم من أوراق نقدية، بعد تحول ودائعهم في المصارف الى أرقام على الشاشات، وقصر سحبها بالليرة اللبنانية وفق أسعار لا تصل الى نصف قيمة سعر العملة الأميركية في السوق، والمعروفة بـ «السوق السوداء».
يضاف الى ذلك تقييد حركة الراغبين شراء الذهب، بعد إيقاف غالبية المصارف العمل ببطاقات الاعتماد الممغنطة من حسابات توفير وبطاقات ائتمان، في داخل لبنان وخارجه، وقصرها على شراء بضائع معينة وفق سقوف مالية منخفضة، وعدم إتاحتها أمام شراء المعدن الأصفر.
وباتت الأحاديث تتمحور حول طرق الحصول على العملة الأميركية، واستعمال «شيفرة» خاصة بها، لتفادي ملاحقة رجال الشرطة للمتداولين غير الشرعيين بالعملة الأميركية. ودخلت مفردات عدة على أجهزة الهاتف الخليوي لتسمية الدولار بأسماء مواربة بينها «الحمص»، وربط سعر الحمص بكمياته للإشارة الى الدولارات المطلوب شراؤها مع أسعارها.
وعن التسعير العشوائي للدولار، يتحدث د.إبراهيم عن مبادرة مالكة المبنى الذي يسكنه بالإيجار الى تسعيره بألفي ليرة لبنانية، متجاوزة سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان والبالغ 1515 ليرة.
والشيء عينه انعكس اعتراضا من قبل عدد من المستأجرين الذي بادروا الى إخلاء شققهم رفضا للانصياع لرغبة بعض المالكين في تعديل أسعار العقود.
في المقابل، يشكو عدد من العاملين في قطاعات إنتاجية صغيرة كالنجارين والحدادين وأصحاب المكتبات من ركود يلازم أشغالهم، نتيجة تريث الزبائن في إنجاز كل ما يعتبرونه في خانة غير الضرورة القصوى.
بينما لا يتردد قسم كبير في الإشارة الى ان حيازتهم للدولار كفيلة بتجنيبهم مجاعة وفقدان أدوية ومواد حيوية. وقد نصحت صاحبة إحدى الصيدليات في منطقة نهر الموت (المدخل الشرقي للعاصمة بيروت)، زبائنها بتخزين أدوية الأمراض المزمنة التي يتناولونها لفترة لا تقل عن 6 أشهر سلفا، خشية فقدان هذه الأدوية.
كذلك يعمد البعض الى المقايضة في شراء شقق أو أراض، باشتراط احتساب قيمة الدولار النقدي في شكل مضاعف وأكثر عن سعره في السوق، لعدم توافر أوراق الدولار النقدية.
الواضح ان شيئا ما تغير بشكل جذري في لبنان، في ضوء تسجيل سعر صرف الدولار أرقاما قياسية غير مسبوقة تجاه الليرة اللبنانية. دولار يسابق أوساين بولت في أسواق بيروت عن جدارة، وسط دهشة وحيرة غير معهودتين في مشهد الحياة اليومية اللبنانية.