HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

العالم مع كورونا فيروس بين موت التاريخ والحياة الجديدة (جورج عبيد)

20
MARCH
2020
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

"لقد فقدنا السيطرة.الوباء قتلنا نفسيًّا وبدنيًّا وعقليًّا. لم نعد نعي ماذا سنفعل. لقد انتهت جميع الحلول على وجه الأرض، الحلّ متروك للسماء"
(جوسيبي كونتي رئيس حكومة إيطاليا)

 

موجع للغاية هذا الاعتراف العلنيّ من رئيس الحكومة الإيطاليّة، بل من رئيس دولة تعتبر من أعرق البلدان الأوروبيّة والعالميّة بعد باريس ثقافيَّا وفنيًّا. روما استباحت العالم القديم، كانت مستعمرة الشرق والغرب، فيها استشهد قديسون عظام، وأهمهما الرسولان العظيمان بطرس وبولس. هناك انكسر نيرون المجرم الذي أحرق روما ليحرق أتباع المسيح فاحرقته محكمة التاريخ إلى غير رجعة. روما الكاتدرائيّات الرائعة، يكفي تحفة ميكلانج في كنيسة السكستين، هل ننسى رفائيل ورسوماته على جدرانيات كنيسة القديس بطرس الرسول في الفاتيكان، وهي من أعظم التحف؟ وماذا نقول عن الكوليزيه ودرب الصليب في رحايه وقد كان باب روما يقودها سائرًا على طريق المعلّم في آلامه بلوغًا نحو ضياء القيامة.


فيروس غير مرئيّ، يكاد يرى في المكبّر فتك بالعالم كلّه، أباد الكون بأسره، جمّد الحياة فيه. جعله حَجرًا كونيًّا بعدما كان بسبب العولمة قريةً كونيّة. منذ فترة استوقفني مقال رائع لعماد الدين أديب في صحيفة الوطن بتاريخ الأحد 15 آذار الفائت، قال فيه: "ها هي أعظم الجنسيات في العالم اليوم معزولة داخل غرفها أو منازلها، أحيائها، مدنها، بلا حركة طيران ولا قطارات ولا خروج ولا منتزهات، ولا مطاعم ولا ملاهى، يخزّنون المياه والأطعمة، يتكالبون على الكمامات والمعقمات، يعيشون في قلق ورعب وخوف واكتئاب وذعر وتوحّد وانعزال"... وممّا قاله أيضًا: "السعي إلى التقدّم والإصلاح والإبداع والابتكار هو تكريم لمنحة العقل التي اختصّنا بها الله عن سائر الكائنات ولكن حينما تصاب النفس البشريّ بالكبر، ويتخيّل الإنسان أنّه سيد هذا الكون ممسك بكلّ مفاتيحه، ولديه كافة الإجابات على كلّ ألغازه، هنا تأتي الرسالة الحاسمة، "حياتك قد تكون في خطر من مجرّد بعض رشقات رذاذ العطاس أو لمسة على سطح ملوّث"! الرسالة، أيها الإنسان إعرف حقيقة حجمك ومكانك ومكانتك في ضفاف هذا الكون العظيم".


من الغرب إلى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب، الكون، الإنسانيّة، الإنسان نفسه أضحى في أزمة خطيرة وساحقة، الكون كلّه يرجفه وباء مصنّع، العالم تختبئ بالحجور كما الفئران تختبئ في الجحور، العلاقات البشريّة تنهار حيث يبدو الإنسان بات جحيمًا وبمجرّد سعال أو عطاس لكلّ آخر، الاقتصاديات باتت تلامس التراب، المعامل والمؤسسات سرّحت موظّفيها والعمّال، ومن سرّح يعيش الفقر أو بات في قفر بلا ماء، كيف سيتمّ التعامل مع الفقراء المتنامية أعدادهم بسبب إغلاق المؤسسات؟ من سيؤمّن الطعام والكساء لهم؟ هل من إمكانيّة لبناء شخصيّة تمترّدة على الخوف والقلق، بعدما بات الإنسان ضحيّة لهما، ويهرب لحظة بلحظة من أخيه الإنسان، ماذا سنقول للإيطاليّ الذي يرى المحارق أمامه، النيران فيها تلتهم جثامين ذويه وأقاربه بل تلتهم الإنسانيّة هناك؟ ألا يقلق هذا المشهد الكون كلّه؟ كيف نقبل قول رئيس الحكومة الإيطاليّة من دون أي حراك من المقتدرين، ومن دون أي تحقيق تجريه الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالميّة عن أسباب نشوء هذا الفيروس؟


هذه التساؤلات ليست محصورة ضمن بيئة واحدة بل هي ممدودة نحو معظم البيئات. يجب الاعتراف الآن وليس غدًا بأن نظريّة فرانسيس فوكوياما حول موت التاريخ بدأت تتجسّد وتتحقّق بأشكالها المتعددة. ليس الكورونا فيروس وباء تلقائيَّا-طبيَّا حديثًا. بل هو، وبجديّة فائقة، قمّة ما يستهلك في الحرب العالميّة الثالثة التي أمسى العالم تحت ثقلها. موت التاريخ القديم يتحقّق بهذه الحرب، بهذا الفيروس المصنّع، وهي مادة الحرب. لقد تطوّر الفكر الاحترابيّ-الاحترافيّ، من القتال البدائيّ في التاريخ القديم جدًّا، إلى القتال بالأسلحة المتطوّرة والفاتكة كما حتمًا المدمّرة، ثمّ تشعبت الحروب نحو استهلاك العملة، أي الدولار، في شلّ الأنظمة شللاً مهلكًا كما حدث في الحرب الأميركيّة الأخيرة على المثلّث السوريّ-العراقيّ-اللبنانيّ، تصاحبها الحرب النفطيّة وإثارة الشغب في بلدان كثيرة من أجل النفط، والثورة الأخيرة في لبنان خير دليل على ذلك، وهناك الحرب الإرهابيّة المستخدمة بدورها كمحاولة لإسقاط العالم بوحلها، وقد أحدثت كرهًا لله عند كثيرين، بظنٍّ بريء بأنّ الله يهوى الموت، ويهوى الاستكانة واستكانة البشر معه في ثقافة الحروف المغلقة، كما جاء التفلّت العلمانويّ في القارّة العجوز صدى للتمرّد على الله، فالتمرّد والكره هنا وهنالك واحد. غرس الحركات التكفيريّة أوصل إلى تلك النتائج، وقد توضّح الهدف بسقوط المشرق بجوهره الروجيّ السامي، مع محاولة إسقاط سوريا والعراق، على غرار أسقاط فلسطين.


تسلسل الحروب في هذا المقام، بلغ قمّته مع الحرب البيولوجيّة-الجرثوميّة ضمن مادة الكورونا فيروس، وليس من بلاغة أفصح وقمّة أوضح. العالم يحتضر بمألفة موت التاريخ، إذ إن ظهور العالم الجديد Remaking of a new orderليس مجرّد مألفة نحتها صموييل هانتغتون المفكر اليهوديّ المتوفّى منذ خمس سنوات، مكملة لمشروع صراع الحضارات منذ سنة 1994، بل هو فعل استراتيجيّ، كان فوكوياما وهانتنغتون يتناقشان حوله بعمق، ويستوحيان النقاش من معلمهما الكبير هنري كسينجر. فموت التاريخ القديم هدف أميركيّ استراتجيّ ممدود إلى كلّ القارّات ومتفاعل في البيئات والأنظمة. ليست نظريّة الفوضى الخلاّقة لبرنارد لويس بمنأى عن شموليّة تلك الرؤية أو الرؤيا. الحرب البيولوجيّة بدأت تفرزها بشدّة وقوّة كحالة مستديمة عن طريق شرذمة البشر وتقطيع أوصال بنى وعرى العلاقات بينهم. الكورونا فيروس ليس هدفًا بل وسيلة لتلاشي البنيّة الإنسانية بتراصها الطبيّ والصحيّ والنفسي والروحيّ. سيفرز هذا الفيروس أنماطَا ستعيد الإنسان إلى شيء من الكفر أو الابتعاد عن الله، عن طريق تدمير العلاقة بين الخالق والمخلوق، والمسيحيّة كحالة روحيّة لا تزال من هذه الناحية دائمة الاستهداف بل هي في ذروة الاستهداف، وعن طريق تدمير العلاقة بين البشر بالمعطيات كلّها، فهكذا يموت التاريخ ويولد عالم جديد له تاريخ آخر جديد.


يفترض بنا من هذه الزاوية قراءة ما يحدث، والتركيز في مواجهة هذه الرؤى المنحوتة والمحاكة لكوننا بتنا في قلب الفوضى الخلاّقة، ولكون أن حوض الشرق الأبيض المتوسط والمشرق المكان الرحب لإيناع الحضارات والتواريخ في العالم كلّه. هذا الحوض هو المكان الأمثل لموت التاريخ القديم حيث فيه يموت الله، واستيلاد تاريخ جديد بمجموعة آلهة مجهولين منتمين إلى عالم أغريقي يستحدث في صحرائنا، فالموت الذي يستبد بنا من خلال الكورونا فيروس هو صحراؤنا. السؤال المطروح على معظم النخب والمسؤولين من سياسيين وروحيين وزمنيين، كيف نتصوّر إنسان ما بعد كورونا فيروس في امتداده النفسيّ (البسيكولوجيّ)، والمجتمعيّ (السوسيولوجيّ)، والروحيّ، وهو علّة العلل، لأنّ الله في أزمنتنا فكرة الفكر وعلّة العلل، وعلاقة الإنسان فيه عموديّة وأفقيّة في آن، والعائليّ مع أسرته، زوجته وأولاده؟ هذا السؤال هو لبّ القضيّة إلى جانب المواجهة الطبيّة لتلك الجرثومة المستبدّة بنا. لقد لمسنا في الآونة الأخيرة دورًا سلبيًّا يمارسه الإعلام، في نطاق إرهاب فكريّ ونفسيّ يمارسه على الناس بطريقة هيتشكوكيّة لا تفسير لها على الإطلاق. ثمّة بون واضح بين التوعية والإرهاب، إنهما خطّان لا يتلاقيان. ثمّ تغلق الكنائس وكأنّ المسيح غير حيّ بنا سواء في الكنيسة أو البيت. فيأتي كلّ ذلك من سياق تدميريّ للبنية الإيمانيّة عند معظم الناس، من دون فهم لمعنى تصدير هذا الفيروس عينًا في معظم البلدان وهيمنته علينا.


حسر الفيروس وحصره لا يحتاجان لإرهاب فكري ومعنوي وروحيّ، بل إلى التحفيز على الوقاية ومنع التجمعات في ساحات أماكن مشتبه بها. ويحتاج إلى صراحة وشفافيّة من الاختصاصيين لتعريفنا به وبمضاعفاته العلميّة-المرضيّة بلا زيادة أو نقصان. لبنان أقلّ البلدان في الإصابات، بمعنى أننا نملك القدرة على الشفاء منه، وفي سوريا لم تسجل إصابات قاتلة بحمد الله، ما خلا فلسطين والعراق والأدرن بعض الشيء. التوعية هي المطلوبة. أضف، إلى أنّ ثمّة بدائل مالية وغذائيّة وأدوية يفترض أن تتأمّن للذين هم بلا عمل أو سرحوا من أعمالهم لكون مؤسساتهم قد أغلقت. السؤال المطروح على الدولة اللبنانيّة، لماذا لا تبادر إلى استجماع أصحاب المليارات وهم من السياسيين الذين أثروا على حساب الناس، وتفرض عليهم مبالغ يدفعونها من أجل الذين لا عمل لهم؟ ما الذي يمنع من ذلك بدلاً من البحث في الخارج. أصحاب المليارات والمصارف يفترض بهم أن يدفعوا، بدلاً من محاولة فرض أنماط مالية على المودعين تفتك بحياتهم.


بالعودة إلى كلام جيوسيبي كونتي رئيس حكومة إيطاليا، فهو يعنينا من زاوية أن نتحفّز لحماية أنفسنا بعطايا العقل وإبداعاته، ويشدّنا لنرفع صوتنا جميعًا مسيحيين ومسلمين إلى الله حتى لا يموت العالم والتاريخ ميتة تراجيديّة بل لكي تنتهي تلك الجلجلة إلى قيامة مجيدة ومحيية ومنتظرة.

جورج عبيد ,
MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING
  • online ordering system for restaurants
  • The best online ordering systems for restaurants
  •