HI,{{username}}
Manage account
Change password
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES

كتاب مفتوح إلى سيادة المطران بولس عبد الساتر - بقلم جورج عبيد

10
FEBRUARY
2020
  • {{article.caption}}
  • {{article.caption}}
A
+
A
-
Print
Email
Email
A
+
A
-

أيها السيّد الأجلّ

من أروع ما علمته عنك منذ تسلمّك لأبرشيّة بيروت المارونيّة، أنّك تحررت من مجد هذا العالم لينطقك الله في مجده هو، لأنّك شئته حبيبًا لك بإحساسك العظيم أنّه موجود في كلّ فقير ومعوز من أبرشيّتك. وضعت نفسك في خدمته، مستذكرًا إنجيل الدينونة وممتلئًا من كلمته المدويّة القائلة، "كنت جائعًا فأطعمتموني وفقيرًا فساعدتموني..."، لقد سجدت على قدميه حين بعت الغنى كلّه، وأمرت المؤسسات في أبرشيّتك ألاّ تردّ فقيرًا إلى بيته، وأنت في الأصل لم تطلب شيئًا لنفسك بل تطلبه للإخوة، إخوة يسوع.

تحضرني قصّة عظيمة في مدلولاتها، بطلها بطريرك العرب القديس غريغوريوس الرابع حدّاد. إنّها قصى مواجهة بينه وبين مجاعة عصفت بدمشق كما عصفت بجبل لبنان، اضطرّ البطريرك الراحل العظيم، أن يبيع صليبه المهدى إليه من قيصر روسيا نيقولا رومانوف، وجزءًا كبيرًا من أملاك البطريركيّة ليطعم الجياع، لم يميّز بين مسيحيّ ومسلم، لأنّ الجوع كافر لا يعرف الله والله يمقته، الجوع عدوّ الإنسان وعدوّ الله، وكما قال الإمام عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، لو كان الجوع رجلاً لقتلته. إنّه أفتك من السرطان وهو وحش يفترس جسد الإنسانيّة بأنياب منغرسة.

سأحاول، سيدي، دمج الروايتين، لاٌستشرف من عظتك الصارخة في قداس عيد القديس مارون، تسؤلاً مشروعًا لا أطرحه عليك بل أطرحه على المؤسسة الكنسيّة المسيحيّة المارونيّة منها والأرثوذكسيّة، ومن ثمّ أعود إلى سيادتك، لماذا لا تتسلمّون كلام المطران بولس عبد الساتر كوثيقة حقيقيّة متحرّكة في جوهر العمل الكنسيّ من زاوية نقديّة لتقوموا بتقييم كبير لما تقوم به هذه المؤسسات من خدمة مؤدّاة لفقراء الكنيسة؟ سيادته، وكما أفترض، وضع إصبعه على جرح الفساد في لبنان، مباركًا الثورة بوجهه، وداعيًا الرؤساء والمسؤولين السياسيين لمواجهته والقضاء عليه، فهل المؤسسات الكنسيّة من مدارس ومستشفيات ومحاكم روحيّة بريئة مما شكا منه سيادته، هل تستطيعون الإدّعاء بالعفّة الكاملة والمطلقة؟ أين أنتم من بطولة غريغوريوس الرابع، بل أين أنتم من إنجيل الدينونة ومثل السامريّ الشفوق، أين أنتم من الفساد المستشري في بنيان الكثيرين منكم، وقد فهمت أيضصا من صديق مسلم كبير، بأنّ المؤسسات الإسلاميّة على تنوّعها المذهبيّ غير بريئة بدورها منه؟

وقبل أن أعود إلى كلمة المطران بولس، لا بدّ أن تدركوا بأنّكم إن ظللتم على مواقفكم ضمن منطومة حملة تشاركون بها على جهة واحدة، أو مسؤول واحد، فالأفضل عل أبعد تقدير، بأن تعمدوا على تطهير مؤسساتكم من البطر والفساد، والتحرّر من فريسيّة مقيتة منسابة إلى أجوافكم ومتحكمة بعقولكم، لكي تدركوا يسوع الحقّ في قلوبكم أو تستحقّوا الكلام عليه في أفواهكم، وتذكّروا أنّ الليل والنهار لا يبيتان في فم واحد ولا يختلطان في قلب واحد، فإمّا قلبك نيّرا أو مظلمًا.

سيّدي الأجلّ،

كلّ من سمع عظتك استوقفته جرأتك في إخراج الرؤى بلا مواربة. وأنت خلف الكلمات، شئت أن تقول بأنّ كنيستك، كنيسة الأرض بمفهوم الأمّة، وكنيسة السماء في استنزالها الروح القدس على القرابين الإلهيّة، وفي انشدادها نحو الملكوت. تلك هي المارونيّة بطبيعتها وجوهرها، هي أعلنت وتعلن نفسها، أنها دين ودنيا. ولكونك اندرجت في الدنيويات، فليس ما قلته دالاً على أنه، وبالضرورة، إلهام من الله، وليس بالضرورة أنه يخرج من أدب الاستلهام. إنّه موقف أسقف يحاول أن يفسر الأمور بقراءته هو، ويحولها إلى مجموعة مواقف لم تقف عند حدود النقد، بل توغلت في حدود التحذير والتهديد.

عظتك قرأتها أكثر من مرّة، وسأحاول، وبناء على قراءتي التمييز بعض الشيء بين الشكل والمضمون.

1-في الشكل: لقد بدوت جامعًا الكلّ بلا تفريق بين زيد وعمرو وعبيد، أي أنّك تبنيت أدبيات الثورة الكاملة، حين دعوت الجميع إمّا إلى مكافحة الفساد أو فاستقيلوا (كللن يعني كللن). وفي بعض التوجّه الشكلي حاولت أن تطلب من الجميع أعادة الأموال المنهوبة إلى الدولة وهذا حسن بل ضروريّ، لكي يأمن الكلّ إلى دولتهم وغدهم. فنحن جميعنا متفقون على أن الدولة اللبنانيّة منهوبة وليست مفلسة، والمصارف التي تذلّ اللبنانيين، بدورها هرّبت ودائعهم إلى الخارج، وتحاول تمييع الحلول من ضمن مسرى تحتشد فيه علامات الأزمنة السيّئة ليبلغ باللاد نحو الانفجار.

2-في المضمون: لقد جافى المضمون الشكل الشامل بشموليته، ووظّفت لحظة العظة وبحضور رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، لتكون جزءًا من حملة عليه طوقته وتطوّقه، وتحاول بالتالي إضعاف موقعه. ماذا جئت تقول يا سيدي في هذا الظرف الخانق. لقد طالبت التعاون مع أرباب الثورة الأصليين، فهل أنت تعرفهم معرفة اليقين لتطلب التعاون معهم، ومن هم بالتالي الأصليون؟ متناسيًا أنّ فخامة الرئيس، في اللحظات الأولى للحراك، دعاهم للاجتماع به ولم يلبّوا دعوته الكريمة، وحين لبّى واحد منهم وهو رامي علّيق مع مجموعة شيطنوه ورذلوه وكفّروه وطردوه من بينهم، فمن هم الثوار الأصليون؟ هذا التعبير قد أمسى مألفة، وهي برأيي تحتاج إلى تعريف وتعليل وتوضيح. ثمّ حاولت غير مرّة أن تبعث برسائل سياسية واضحة، من دون إشارة واحدة إلى الأسباب الموجبة والحقيقيّة لما آلت إليه الأمور. فأنت، سيدي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تشر إلى مسؤوليّة الحريريّة السياسيّة عن الديون المتراكمة والفساد المستشري وتقاسم الحصص والمغانم، والتعاطي مع الدولة على اساس أنها قطعة حلوى أو مزرعة، ولم تشر إلى شركاء هذه الحريريّة السياسيّة وبعضهم كان موجودًا عن هذا السوء. وإذا لم ترد وبسبب موقعك الروحيّ الإشارة المباشرة إلى تلك الجهات، فلا تسمّها، ولكن أشر إلى مضامينها التراكميّة، التي أوصلت البلاد إلى دين عام قوامه 130 مليار دولار، وبعض الجهات الروحيّة استفادت من تنامي الدين بطريقة أو بأخرى، وهي قد بدأت منذ التسعينيّات من القرن المنصرم.

مأخذي على خطابك، أنك حاولت تغليف المضمون بالشكل، فيما المضمون غائب ليبدو أنك في الشكل تحمّل العهد المسؤوليّة عّما حصل، فيما المسؤولية ليست عليه بل على الذين سرقوا ونهبوا لبنان، وقد آن الوقت لفضحهم ومحاكمتهم أمام الجميع. القضيّة أن هؤلاء لا يزالون أحرارًا من دينونة ومحاكمة فيما الناس البسطاء يحاكمون من المصارف ومن الدولة في آن ومن المؤسسات الروحيّة مسيحيّة وإسلاميّة الخالية من أعمال الرحمة. محاكمة هؤلاء أمام الشعب والتاريخ حقّ وواجب، إذا رنونا لبناء وطن حقيقيّ لأولادنا، وسيّد العهد، سيلغ هذا المبلغ الكبير، وسيفي بما وعد، بأنّه لو بقي يوم من عهده فسيسترجع الأموال المنهوبة. هل يمكن أن أمضغ كلامًا لسفير دولة كبرى قال أمامي بأنّ لبنان دولة منهوبة؟ تبًّا لهذا الصيت الذي توشّح بها وطن النجوم والأرز الخالد؟ من يسرّ بهذا الصيت فليضع رأسه تحت التراب ويصمت.

سيدي، أنا مع انتفاضتك، ومع أن تقول الحقّ استتباعًا لقول السيّد المبارك تعرفون الحقّ والحقّ يحرركم، ولكني لست مع توجيه السهام إلى رئيس سيادتك وأنا نعلم أنّه يجاهد ويعمل. أنا مع الثورة المباركة للقضاء على الفساد والضغط باتجاه استعادة الأموال المنهوبة، ولكني لست مع توظيف الثورة سياسيًّا بوجه العهد، وكنت آمل أن توضّح ذلك، ولست مع أن ياتي التوظيف من جهات دوليّة معروفة لدى القاصي والداني عملت وتعمل لفراغ لبنان، فمن يخدم الفراغ حينئذ أيها السيد الأجل غير نفسه ويشلح لبنان في أتّون من نار بدلاً من أن نضعه على فوهات أو مطلات من نور؟

ولك مني سيدي كلّ سلام وجزيل الاحترام

 

جورج عبيد ,
MORE ABOUT
ADVERTISE HERE
JUST IN
TRENDING
HEADLINES
{{headlineCount}} new {{headlineCount == 1 ? 'update' : 'updates'}}
+ MORE HEADLINES
TRENDING