بعد ست سنوات من الألم والغموض، لم تجد الأميركية روث ويلسون تفسيراً لطفحها الجلدي وتورمها وآلامها الحادة، إلى أن اكتشف الأطباء في النهاية أن جهاز مناعتها هو من كان يهاجم جسدها.
وكانت نتيجة أحدث الفحوصات هي إصابتها بفشل كلوي حادّ بسبب مرض "الذئبة الحمراء" (Lupus)، وهو أحد أكثر أمراض المناعة الذاتية تعقيدًا، والمعروف بلقب "مرض الألف وجه" لتعدد أعراضه وتشابهها مع أمراض أخرى.
وتقول ويلسون، البالغة من العمر 43 عامًا من ماساتشوستس، في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس": "أتمنى لو كانت هناك طريقة أفضل للحصول على التشخيص من دون كل هذا الألم".
حين يتحول الحارس إلى مهاجم
مرض "الذئبة الحمراء" ليس سوى واحد من نحو 140 حالة من أمراض المناعة الذاتية، بحسب المعهد الوطني للصحة الأميركي (NIH). وتشمل القائمة أمراضًا مثل التصلب المتعدد، والتهاب المفاصل الروماتويدي، ومرض السكري من النوع الأول، ومتلازمة "شوغرن"، والوهن العضلي.
وفي كل هذه الحالات، يختل التوازن الدقيق في جهاز المناعة الذي يُفترض أن يميز بين خلايا الجسم والمهاجمين الخارجيين، فيبدأ بمهاجمة أنسجة الجسم نفسه.
وفي تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأميركية، تقول الدكتورة ماريانا كابلان، من المعهد الوطني لالتهاب المفاصل وأمراض الجلد: "الجينات تُحدد القابلية للإصابة، لكن العوامل البيئية مثل العدوى أو التلوث أو حتى حروق الشمس قد تكون الشرارة التي تشعل المرض".
ثورة علاجية جديدة
وبعد عقود من محاولات السيطرة على الأعراض فقط، يشهد الطب حالياً طفرة في فهم أصل هذه الأمراض وآلياتها.
ففي ألمانيا، جرى استخدام علاج "CAR-T"، وهو نوع من العلاج بالخلايا المناعية، على مرضى الذئبة للمرة الأولى عام 2021، وحقق نتائج وصفت بـ"المذهلة"، إذ دخل أول مريض في حالة شفاء تام من دون أدوية منذ أربع سنوات، وفق ما نشرته مجلة Nature Medicine.
كما أقرّت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) دواءً جديدًا باسم تيبليزوماب (Teplizumab)، يبطئ تطور مرض السكري من النوع الأول، في ما يُعدّ خطوة نحو منع ظهور المرض قبل بدايته.
ويصف الدكتور أميت ساكسينا، اختصاصي الروماتيزم في "جامعة نيويورك لانغون"، المرحلة الحالية بأنها "الحقبة الأكثر إثارة في تاريخ أبحاث المناعة الذاتية".
العلماء يقتربون من الجذور
وفي داخل مختبرات المعهد الوطني للصحة في واشنطن، يعمل باحثون على دراسة نوع خاص من خلايا الدم البيضاء يُسمّى العدلات (Neutrophils)، يُعتقد أنها من أوائل المسببين لاضطراب المناعة.
وتبيّن أن هذه الخلايا تُطلق "شبكات لاصقة" تعرف بـNETs لتدمير الجراثيم، لكنها في بعض الحالات تُفرط في إنتاجها فتتسبب بتلف الأنسجة والأوعية الدموية، مما يُفسّر ارتفاع معدلات الجلطات والنوبات القلبية المبكرة لدى المصابين بالذئبة، كما أوضحت كابلان في حديثها لـ"سي إن إن".
وجوه متعددة لمرض واحد
ورغم التقدم العلمي، ما يزال الذئبة لغزًا معقّدًا، إذ تختلف أعراضه من شخص إلى آخر. بعض المرضى يعيشون فترات طويلة دون نوبات، فيما يعاني آخرون من آلام حادة ونوبات حُمّى وتورّم قد تعطل الحياة اليومية.
وتقول ويلسون إنها تتناول نحو ستة أدوية يومياً وتخضع لعلاج وريدي شهري في مركز "UMass Memorial"، لكنها تعلم أن أي تعرض مفرط للشمس قد يثير نوبة جديدة. وتابعت: "عندما تشتد الأعراض، أقول لنفسي إن ليست حياة سيئة، إنه يوم سيئ فقط".
الطب الشخصي... الأمل القادم
أما أحدث الدراسات، مثل مشروع Lupus Landmark Study الذي يضم أكثر من 3,500 مريض، فتسعى إلى رسم خريطة دقيقة لأنواع الذئبة المختلفة عبر تحليل عينات الدم أثناء النوبات الارتدادية، لفهم كيفية تغيّر نشاط الجينات والخلايا.
ويأمل العلماء أن يؤدي هذا النهج إلى علاجات مخصصة لكل مريض، على غرار ما حدث في علاج السرطان، بحيث تُصمَّم الأدوية وفق بصمة المناعة لكل شخص.
