كشفت تجربة معملية أن الكافيين يمكن أن يساعد بعض البكتيريا على إبعاد المضادات الحيوية عن خلاياها، ما قد يقلل من الآثار العلاجية للأدوية، لكن الغموض يخيم حول كيفية تأثر البشر من جراء هذا التأثير، ولذا فإن النتائج لا يجب أن تثير قلق من يشربون الكافيين، على الأقل، في الوقت الحاضر.
بحسب ما نشره موقع Live Science، يعرف العلماء منذ عقود أن البكتيريا قادرة على حماية نفسها عن طريق ضخ مواد ضارة عبر بروتينات نقل خاصة في طبقاتها الخارجية، وهذه القدرة تساعد البكتيريا على مقاومة آثار الأدوية التي قد تقتلها. لكن لم يتضح بعد كيف تُغير البكتيريا نشاط الجينات المسؤولة عن بروتينات النقل هذه استجابةً للجزيئات التي تواجهها.
لمعرفة المزيد، اختبر الباحثون كيفية استجابة بكتيريا الأمعاء الشائعة الإشريكية القولونية E.coli لعدد 94 مركبًا كيمياويا مختلفًا، بما يشمل المضادات الحيوية والأسبرين، بالإضافة إلى منتجات مصنوعة في الأمعاء، مثل الأحماض الصفراوية الثانوية. كما نظروا إلى جزيئات صغيرة موجودة في الأطعمة الشائعة، مثل الفانيلين، المركب الذي يعطي الفانيليا نكهتها، والكافيين.
الاستجابة للمضادات الحيوية
أظهرت نتائج الدراسة، التي نُشرت في دورية PLOS Biology، أن العديد من المواد الكيمياوية المختلفة يمكن أن تُحدث تغييرات في الجينات المرتبطة بنقل البكتيريا، وبالتالي قد تؤثر على استجابتها للمضادات الحيوية.
على سبيل المثال، وُجد أن الكافيين يقلل من إنتاج بروتين نقل يسمى OmpF، والذي يساعد على نقل المضادات الحيوية الشائعة - مثل سيبروفلوكساسين وأموكسيسيلين - إلى أغشية الخلايا البكتيرية أو أحشائها. نظريًا، مع قلة بروتينات OmpF المتاحة، لا تستطيع المضادات الحيوية الوصول إلى أهدافها داخل الخلايا بسهولة، ما يجعلها أقل فعالية.
قالت أبريل هايز، باحثة في جامعة إكستر، لم تشارك في الدراسة، إنه لا ينبغي أن تُقلق هذه النتيجة شاربي القهوة حتى الآن، فهناك العديد من المتغيرات المحتملة التي لم تُدرس بعد، منها مدى تأثير الكافيين على التقليل من قدرة الجسم على التخلص من العدوى".
واتفق أندرو إدواردز، أستاذ علم الأحياء الدقيقة الجزيئية في إمبريال كوليدج لندن، على أنه "لا يوجد دليل من هذه الدراسة على أن شرب القهوة سيؤثر على استجابة الشخص للمضادات الحيوية، ولذا لا ينبغي لأحد أن يغير روتينه".
ونصج إدواردز، الذي لم يشارك في الدراسة، الأشخاص الذين وُصفت لهم المضادات الحيوية باتباع إرشادات طبيبهم والتعليمات المرفقة بالدواء.
ميكروبات قابلة للتكيف
في الدراسة، درس باحثون في جامعة توبنغن في ألمانيا كيفية استجابة 7 جينات معنية بالنقل داخل الإشريكية القولونية لمواد كيمياوية مختلفة. ومن بين 94 مادة اختبروها، غيّرت 28 مادة نشاط هذه الجينات.
وشملت المواد الكيمياوية التي كان لها تأثير: الكافيين، ومبيد الأعشاب باراكوات، وبعض فئات المضادات الحيوية، مثل التتراسيكلينات والماكروليدات. كما كان للأدوية التي تمنع حمض الفوليك، المستخدم لعلاج بعض أنواع السرطان والأمراض الالتهابية، والساليسيلات، وهي فئة واسعة من الأدوية تشمل الأسبرين، تأثير أيضًا.
الاستجابة لمحفزات مختلفة
قال إدواردز: "تُعزز هذه الدراسة التقدير المتزايد لقدرة البكتيريا على استشعار العديد من المحفزات المختلفة والاستجابة لها... وكلها يمكن أن تؤثر على حساسية الميكروب للمضادات الحيوية".
وشمل ثلث التغيرات الجينية الناتجة عن المواد الكيمياوية بروتين ربط الأصل الأيمن Rob، والذي يُفعّل الجينات أو يُعطّلها عن طريق الارتباط بتسلسلات محددة من الحمض النووي. تشير النتائج إلى أن Rob يلعب دورًا أكبر في مساعدة الإشريكية القولونية على التكيف مع بيئتها مقارنة بما كان يُعتقد سابقًا.
لكن لا يعرف الباحثون حتى الآن ما إذا كانت التأثيرات التي لوحظت في التجارب المعملية تحدث بنفس الطريقة أثناء العدوى الحقيقية لدى البشر.
يمكن للأبحاث المستقبلية أيضًا أن تتناول الميكروبات التي تتجاوز الإشريكية القولونية. ويعتقد الباحثون أن نتائجهم ربما يكون لها أيضًا آثار على كيفية تعديل البكتيريا الأخرى لناقلاتها بمرور الوقت.
ولكن الأهم من ذلك، بحسب ما قاله هايز، إنه "في هذه المرحلة، لا يزال من غير المرجح إلى حد كبير أن يؤدي تناول الكافيين إلى عدوى يصعب علاجها. بشكل عام، إن الدراسة مثيرة للاهتمام، ولكنها لا تثير قلق مستهلكي الكافيين".