x تشهد أسواق المعادن الثمينة حالة من الترقب والحذر، حيث يبدو أن مصير الذهب في الفترة المقبلة بات معلقاً بشكل وثيق بـقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لا سيما مع تصاعد وتيرة "رهانات الفائدة".
تقليدياً، يُنظر إلى الذهب كملجأ آمن يستفيد من انخفاض تكلفة الفرصة البديلة عندما تتراجع أسعار الفائدة، مما يجعله أكثر جاذبية مقارنة بالسندات والأدوات التي تدر عائداً. وقد ترجمت الإشارات الأخيرة من مسؤولي البنك المركزي، التي نوهت إلى ضعف في سوق العمل وإمكانية خفض وشيك لأسعار الفائدة، إلى دعم فوري لسعر المعدن الأصفر، حيث ثبّت مكاسبه الأخيرة ليصبح في موقع دفاعي استعداداً للخطوة التالية.
هذا الاستقرار النسبي في مستويات عالية يضع السوق أمام عدة تساؤلات ملحة ترسم خريطة طريق المستثمرين: هل يكفي استقرار الذهب الحالي ليكون بمثابة تأكيد مبكر لقرار خفض الفائدة الأميركية المرتقب؟ والأهم، هل تقود هذه التوقعات بخفض أسعار الفائدة أسعار الذهب نحو مستويات قياسية جديدة تتجاوز حاجز المقاومة الحالي؟
مفترق طرق
وبحسب مقال نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فقد سجل سعر الذهب استقراراً ملحوظاً عند مستويات قريبة من 4,130 دولاراً للأونصة، وذلك بعد أن كان قد حقق مكاسب قوية بلغت حوالي 2 بالمئة في جلسة الإثنين. هذا الارتفاع المفاجئ، والذي تلاه الاستقرار، ارتبط بشكل مباشر بتزايد الثقة في السوق بأن الولايات المتحدة تتجه نحو خفض أسعار الفائدة في الشهر المقبل.
وأوضح المقال أن القفزة التي سجلها الذهب كانت مدفوعة بشكل أساسي بتصريحات كريستوفر والر، محافظ الاحتياطي الفيدرالي، الذي أيّد علناً فكرة خفض أسعار الفائدة في شهر ديسمبر المقبل، معللاً ذلك بـضعف سوق العمل الأميركي. ويُشار إلى أن الذهب، بطبيعته كأصل لا يدر أي فوائد، يميل إلى تحقيق مكاسب في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، حيث تقل جاذبية الاستثمارات الأخرى التي تعتمد على العائد.
وأشار المقال إلى أن تصريحات مسؤولي البنك المركزي أصبحت أكثر أهمية بالنسبة للمتداولين، خاصة بعد الإغلاق الحكومي الذي دام ستة أسابيع وأدى إلى تأخير إصدار البيانات الاقتصادية الرئيسية. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، يوم الجمعة لتزيد من قوة التوقعات، حيث أبدى رأيه بوجود مجال لخفض سعر الفائدة "في المدى القريب". ونتيجة لذلك، يقدّر متداولو مقايضات أسعار الفائدة حالياً فرصة خفض ربع نقطة مئوية في الاجتماع الأخير لهذا العام بنسبة تقارب 75 بالمئة.
مخاوف السوق وترقب البيانات
وأفاد لوكا بينديلي، رئيس استراتيجية الاستثمار في بنك لومبارد أودييه وشركاه، أن السوق شهد "منعطفات حادة" في الآونة الأخيرة بناءً على تعليقات صانعي السياسات، ما يؤكد مدى حساسية السوق العالية تجاه "ثرثرة الفيدرالي".
وسيراقب المستثمرون عن كثب هذا الأسبوع البيانات الاقتصادية المؤجلة، ومنها أرقام مبيعات التجزئة وأسعار المنتجين لشهر سبتمبر، وكذلك مطالبات البطالة الأسبوعية. ويحتمل أن تكون أي تعليقات مصاحبة من مسؤولي الفيدرالي من بين الأخيرة قبل بدء فترة "التعتيم" على الاتصالات الخارجية في 29 نوفمبر.
وختم المقال بالإشارة إلى أن الذهب قد عزز موقعه بعد تراجعه في الشهر السابق من ذروته القياسية التي تجاوزت 4,380 دولاراً للأونصة، حيث أبدى بعض المستثمرين مخاوفهم من أن الارتفاع كان "سريعاً جداً".
ورغم هذا التراجع الأخير، يظل الذهب قد حقق مكاسب سنوية تقارب 55 بالمئة هذا العام، ويتجه نحو تسجيل أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979، مدعوماً بشكل أساسي بعمليات شراء مكثفة من قبل البنوك المركزية واستمرار تدفقات الأموال إلى صناديق المؤشرات المتداولة.
أما صباح الثلاثاء فكان الذهب شبه مستقر عند 4,132.25 دولاراً للأونصة اعتباراً من الساعة 11:08 صباحاً بتوقيت لندن.
وكان محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أظهر انقساماً حول خفض أسعار الفائدة في أكتوبر الماضي مع تحذير صناع السياسات من أن خفض تكاليف الاقتراض قد يخاطر بتقويض جهود السيطرة على التضخم الذي ظل أعلى من هدف البنك البالغ اثنين بالمئة لمدة أربع سنوات ونصف السنة.
وجاء في المحضر أن "العديد من المشاركين كانوا يؤيدون خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة"، مع الإشارة إلى أن بعض أعضاء تلك المجموعة كانوا راضين أيضا عن ترك أسعار الفائدة ثابتة.
وعارض البعض خفض سعر الفائدة و"عبروا عن قلقهم من أن التقدم نحو هدف اللجنة الخاص بالتضخم البالغ اثنين بالمئة قد توقف، بينما أشاروا أيضاً إلى أن توقعات التضخم على المدى الطويل قد ترتفع في حالة عدم عودة التضخم إلى اثنين بالمئة في الوقت المناسب".
بالإضافة إلى ذلك "أشار معظم المشاركين إلى أن المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة يمكن أن تزيد من خطر ترسيخ التضخم المرتفع أو يمكن أن يساء تفسيرها على أنها تعني عدم التزام صانع السياسة بهدف التضخم".
وصوتت لجنة تحديد أسعار الفائدة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نهاية أكتوبر الماضي بأغلبية 10 أصوات مقابل صوتين في الاجتماع لخفض سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى نطاق 3.75-4 بالمئة.
الاستقرار بين الثقة والانتظار
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي: "بالفعل يعيش الذهب حالة من الترقب الشديد مرتبطة بشكل وثيق بمسار السياسة النقدية الأميركية، إن رهانات الفائدة كانت هي المحرك الأساسي والمباشر للقفزة الأخيرة للذهب، والتي استقر بعدها قرب 4,130 دولار للأونصة".
وأوضح أن وقود هذا الصعود الرئيسي كان تصريحات صناع السياسة النقدية، مشيراً بشكل خاص إلى تصريحات "كريستوفر والر" و"جون ويليامز"، التي عززت توقعات خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية باحتمالية تبلغ 75 بالمئة لدى متداولي عقود المقايضة.
وفيما يخص دلالة الاستقرار الحالي، أكد الخبير الاقتصادي المصبح أن هذا الاستقرار يعكس ثقة متزايدة، ولكنه لا يعتبر 'تأكيداً نهائياً' للقرار. بل هو، انعكاس لـ"الحساسية المفرطة" لتصريحات الفيدرالي.
وأشار إلى أن الأسواق تعمل حالياً في ظرف استثنائي نجم عن تأخير البيانات الاقتصادية الحاسمة بسبب الإغلاق الحكومي الأميركي، مما جعل تصريحات مسؤولي الفيدرالي الدليل الأبرز أمام المتداولين. ولذلك، تظل الأسواق تنتظر بيانات مبيعات التجزئة وأسعار المنتجين وطلبات إعانة البطالة هذا الأسبوع للحصول على صورة أوضح قبل دخول الفيدرالي في "فترة الصمت" في 29 نوفمبر.
مسار تاريخي جديد
ورداً على سؤال فيما إذا كانت توقعات خفض الفائدة الأميركية تقود أسعار الذهب لمستويات جديدة، يرى الدكتور المصبح أن الأرقام تُظهر أن الذهب يسير بالفعل في مسار تاريخي، فالمعدن الأصفر مرتفع بحوالي 55 بالمئة منذ بداية العام، وهو في طريقه لتسجيل أفضل أداء سنوي منذ عام 1979، مدعوماً بقوة بمشتريات البنوك المركزية وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة. وختم حديثه بالتأكيد على أن البيئة الداعمة لخفض الفائدة قد تعيد الزخم للصعود مجدداً، على الرغم من التراجع الأخير من ذروة 4,380 دولار، خاصة إذا جاءت البيانات الاقتصادية المتأخرة متوافقة مع رؤية الفيدرالي بضرورة التيسير النقدي.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي مصطفى السيد في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تصريحات كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة رفعت احتمال خفض الفائدة، مما أدى إلى انطلاق الذهب سريعاً في جلسة واحدة ثم استقراره قرب 4,132 دولاراً.
وأوضح السيد أنه مع تأجيل البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق الحكومي، أصبحت كلمات مسؤولي الفيدرالي المصدر الوحيد للمتداولين، الأمر الذي زاد من حساسية السعر لـ"رهانات الفائدة". وأكد أن واقع الأسواق يشير حالياً إلى صعود قوي قصير الأجل تبعه توازن حذر بانتظار بيانات الأسبوع.
وشدد السيد على أن السعر يعكس التوقعات، لكن قرار الفيدرالي النهائي يتوقف على البيانات التي يتلقاها. ولذلك، يرى أن الاستقرار يؤكد أن السوق "يسعّر" وهو الذي يقرر الخفض الفعلي، لكن قرار الفيدرالي النهائي "يحتاج أرقاماً رسمية، لا مجرد استقرار المعدن الأصفر.
توقعات الارتفاع لمستويات جديدة
وفيما يخص المسار المستقبلي، يرى السيد أن الذهب مرشح لاختراق مستويات 4,400-4,500 دولار بسهولة إذا تحقق خفض معدل الفائدة المنتظر في ديسمبر أو تلاه المزيد في عام 2026. ولفت إلى أن هذا الصعود سيكون مدعوماً بشراء البنوك المركزية وتدفقات صناديق الذهب المتداولة في البورصة (ETFs).
وأكد أن سلسلة الارتفاع الذي حققه الذهب هذا العام "لم تنته بعد"، وأن المستويات الجديدة باتت مسألة وقت لا احتمال، طالما بقيت السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي تيسيرية. وحذر من أنه إذا جاءت البيانات أقوى من المتوقع أو تراجعت الرهانات، فقد يصحح الذهب إلى 3,900-4,000 دولار أولاً.
