تسجّل الأسواق الناشئة حضوراً لافتاً على خارطة الاستثمار العالمي، مدفوعةً بمزيج من العوامل الاقتصادية والمالية التي تعيد تسليط الضوء عليها كوجهة مفضلة لرؤوس الأموال الباحثة عن عوائد مرتفعة.
يأتي هذا الزخم في وقت يشهد فيه النظام المالي العالمي تحولات متسارعة، من تراجع جاذبية الأصول في الاقتصادات المتقدمة إلى تغير موازين القوة في القطاعات التكنولوجية.
تتدفق السيولة الدولية نحو تلك الأسواق بوتيرة متزايدة، مدعومةً بضعف الدولار وتحوّل السياسات النقدية في الولايات المتحدة، وهو ما عزّز من تنافسية عملاتها وأصولها المالية. ومع تزايد الانكشاف على قطاعات الابتكار في آسيا، أخذت مؤشرات الأسواق الناشئة تتجاوز الأداء التقليدي لتسجّل نتائج غير مسبوقة منذ أكثر من عقد.
يتعمّق هذا المسار بدعم من طفرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، التي تحولت إلى محرك رئيسي للعوائد، فيما تظل التقييمات الجذابة لأسهم هذه الأسواق عاملاً إضافياً يعزز شهية المستثمرين. ورغم أن التفاؤل يخيّم على المشهد، تبقى الأنظار مترقبة لما قد تحمله المتغيرات الكبرى من انعطافات مفاجئة قد تعيد رسم مسار هذا الصعود.
مكاسب
ويشير تقرير لـ "بلومبيرغ" إلى تسجيل أسهم الأسواق الناشئة مكاسب للشهر التاسع على التوالي، وهي أطول سلسلة مكاسب في أكثر من 21 عاما، حيث يواصل المستثمرون ضخ الأموال في أسهم التكنولوجيا الآسيوية.
تستفيد أسهم التكنولوجيا الآسيوية من التفاؤل المحيط بالشركات المرتبطة بتطورات الذكاء الاصطناعي.
لا يزال المستثمرون العالميون أقل انكشافاً نسبياً على الأسهم الصينية، مما يتيح لهم مجالاً أكبر لتوسيع مكاسبهم، وفقاً لكبيرة المحللين في سويسكوت، إيبك أوزكارديسكايا.
وأضافت أن "أسهم التكنولوجيا الصينية، على الرغم من الارتفاع القوي هذا العام، لا تزال تتداول بتقييمات أرخص من نظيراتها في الولايات المتحدة، حيث أصبحت المضاعفات الممتدة مصدر قلق".
وقال كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات العالمية في يو بي إس، مارك هافيل، في مذكرة: "ننصح المستثمرين بالنظر إلى ما هو أبعد من مخاوف الإغلاق والتركيز على محركات السوق الأخرى، مثل مزيج من استمرار تخفيضات أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وأرباح الشركات القوية، ورأس مال الذكاء الاصطناعي القوي".
تدفقات رأسمالية
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لشركة V I Markets، طلال العجمي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
"الأسهم في الأسواق الناشئة تحقق مكاسب مدفوعة بمجموعة من العوامل المختلفة"
هناك موجة من التدفقات الرأسمالية الدولية تتجه نحو هذه الأسواق، بدافع البحث عن عوائد أعلى في ظل تراجع جاذبية بعض الأصول في الأسواق المتقدمة.
"كما أن ضعف الدولار الأميركي يساعد على جذب الاستثمارات إلى العملات والأسواق الناشئة، حيث تتعزز جاذبية العوائد مع انخفاض تكلفة الدولار وتراجع مخاطرها".
"الأداء القوي، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا والأسهم المرتبطة بالابتكار والتوسع الرقمي في آسيا، يمنح دفعة إضافية لمؤشرات الأسواق الناشئة".
"كما أن التقييمات الجذابة لبعض الأسهم، التي تُسعَّر عند مضاعفات أقل مقارنة بنظيراتها في الأسواق المتقدمة، تفتح المجال أمام تحولات مدفوعة بالثقة".
ويتابع: "كذلك فإن تحسن الأوضاع الاقتصادية الكلية في بعض الدول الناشئة، واستعدادها لتنفيذ إصلاحات داخلية أو جذب استثمارات أجنبية، يعزز من الزخم الإيجابي الذي نشهده حالياً".
لكنه يختتم حديثه بالتأكيد على أنه "من المهم ملاحظة أن هذا الزخم يبقى عُرضة للاهتزاز في حال تغيرت المتغيرات الكبرى، مثل ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أو حدوث صدمات نقدية مفاجئة، أو تراجع الثقة العالمية".
أداء قوي
وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية:
بعد مرور تسعة أشهر من العام، كانت عوائد الأسواق الناشئة مذهلة.
حققت عملات الأسواق الناشئة أقوى أداء لها في الأرباع الثلاثة الأولى من العام منذ عام 2010 وفقاً لمؤشر دويتشه بنك.
ارتفعت قيمة سلة متساوية الوزن من هذه العملات بنسبة 12.7 بالمئة مقابل الدولار الأميركي منذ بداية العام حتى تاريخه.
شهدت أسواق الأسهم أيضاً أداءً قياسياً تقريباً منذ عام 2010، حيث ارتفع مؤشر MSCI القياسي لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 23.9 بالمئة.
ويضيف التقرير: تتعدد الأسباب وراء كل هذا، ولكن لا بد من التفاؤل الحذر بإمكانية استمرار هذا الاتجاه.
ويلفت التقرير إلى ضعف الدولار، إذ تلعب العملة الأميركية دوراً محورياً في تجارة الأسواق الناشئة، بصفته العملة الرئيسية لفواتير الواردات والأنظمة المالية، مع استمرار هيمنة الدولار على حصة كبيرة من الديون. وبالتالي، يُسهم ضعف الدولار في تحسين ميزان الحساب الجاري للاقتصادات النامية، وفي الوقت نفسه، في خفض التزاماتها الخارجية.
علاوة على ذلك، وكما أشار بنك التسويات الدولية في تقرير حديث، فإن تمويل الأسواق الناشئة يتجه نحو تدفقات المحافظ الاستثمارية، مبتعدًا عن التمويل المصرفي. وتميل تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى أن تكون أكثر حساسية للتقلبات الكبيرة في شهية المخاطرة، والتي يحركها الدولار.
التكنولوجيا
ويقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
"البيئة الكلية خلال العام 2025 تغيّرت بشكل واضح لصالح الأصول ذات المخاطر، وهو ما يقود هذا التوجه الصاعد في الأسواق، خاصة في أسهم قطاع التكنولوجيا الآسيوية".
"هذا التحول ترافق مع تدفقات مالية قوية وتراجع استثنائي في قيمة الدولار الأميركي، إلى جانب مجموعة من العوامل الأخرى؛ أبرزها الطفرة المتسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وأشباه المواصلات، وصعود شركات رائدة مثل TSMC في كوريا وتايوان، والتي شكّلت دعامة رئيسية لزخم المؤشرات الآسيوية ضمن سلسلة الأسواق الناشئة".
ويضيف صليبي: "التقارير الأخيرة تظهر أن أسهم التكنولوجيا الآسيوية كانت المحرك الأكبر للعائدات في الأسواق الناشئة خلال 2025، مدعومةً بخفض الفائدة الأميركية وضعف الدولار، وعودة دورة التيسير النقدي في الولايات المتحدة. هذا الأمر عزز شهية المخاطر على المستوى العالمي، وقلل من جاذبية البدائل الخالية من المخاطر، مما دفع المزيد من التدفقات نحو أسهم الأسواق الناشئة".
ويشدد على أن "ضعف الدولار خلال العام 2025 أسهم في دعم عملات الأسواق الناشئة، وأظهر شهر أغسطس الماضي على وجه الخصوص مستويات شراء قوية، مع عودة الانكشاف على ديون الصين وأسهم الأسواق غير الصينية، وهو ما كان بمثابة محفز أساسي للسلسلة الصاعدة الأخيرة".
ويتابع: "التقييمات الحالية لأسهم الأسواق الناشئة تبدو جذابة مقارنةً بالأسواق الأميركية، خاصة بعد سنوات من ضعف الأداء. ومع تحسن العوامل الأساسية، سواء في أسعار الفائدة أو الدولار أو سلاسل التوريد، شهدنا تحوّل المحافظ الاستثمارية نحو هذه الأسواق. كما أن تراجع حدّة التوترات الجيوسياسية في بعض الفترات من عام 2025، إلى جانب إجراءات الدعم في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية داخل الصين، أسهما في توسيع قاعدة النمو ودعم مسار الصعود في الأسواق الناشئة، على الرغم من فترات محدودة من جني الأرباح".