بالنسبة لكثير من المتداولين، يمكن تفسير استمرار موجة صعود الذهب إلى قوة الطلب من البنوك المركزية العالمية وصناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب. لكن المستثمر المخضرم فرانك هولمز يرى أن المحرك الحقيقي هو تضخم مستويات الديون عالميًا.
يقول فرانك هولمز، الرئيس التنفيذي وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة "U.S. Global Investors"، إن ديون الحكومة الأميركية بلغت مستوى مذهلًا قدره 37.5 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 124 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار إلى أنه عندما ألغى الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1971 قابلية تحويل الدولار إلى الذهب، كانت الديون الأميركية نحو 400 مليار دولار، أي أقل من 40 بالمئة من الناتج المحلي.
وأضاف هولمز في مدونة حديثة نقلها موقع ماركت واتش: "خلال خمسة عقود فقط، انتقلنا من نظام قائم على الانضباط المالي إلى حالة من الإنفاق بلا قيود".
الديون العالمية
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت الديون الحكومية إلى 324 تريليون دولار، أي أكثر من 253 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لبيانات معهد التمويل الدولي.
كما قفزت ديون الهامش في الولايات المتحدة - وهي الأموال التي يقترضها المستثمرون من الوسطاء لشراء الأصول - بنحو 33 بالمئة خلال عام لتصل إلى مستوى قياسي عند 1.06 تريليون دولار.
أما ديون الأسر الأميركية فقد بلغت مستوى غير مسبوق عند 18.39 تريليون دولار.
ويحذر هولمز قائلا: "المستثمرون يتداولون بمستويات مفرطة من الرافعة المالية لإبقاء الحفلة مستمرة... من وجهة نظري، يجب أن تمتلك الذهب".
أغلق الذهب لتسليم ديسمبر الثلاثاء عند مستوى قياسي بلغ 3,873.20 دولار للأونصة في بورصة كومكس، بارتفاع يقارب 47 بالمئة منذ بداية العام، مسجلًا ثاني أفضل أداء تاريخي حتى نهاية سبتمبر منذ 1979، وفق بيانات رويترز.
ويتوقع هولمز أن يواصل الذهب صعوده ليصل إلى 7,000 دولار للأونصة بحلول نهاية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب في يناير 2029، بعد أن كان قد توقع في 2020 وصوله إلى 4,000 دولار خلال ثلاث سنوات.
وقال هولمز: "الديون أصبحت هائلة وتتسارع، الاختلالات المالية تتسع، والسياسة النقدية مقيدة. لا يمكن للاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة بقوة دون إفلاس الحكومة، ولا يمكنه خفضها بعمق دون الإضرار بالدولار... ... في الحالتين تظل كفة الذهب هي الرابحة".
طلب قوي من البنوك المركزية والمستثمرين
تواصل البنوك المركزية الكبرى حول العالم شراء كميات قياسية من الذهب، فيما تسجل صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب في أميركا الشمالية ثاني أقوى عام لها على الإطلاق، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
ويقول هولمز: "البنوك المركزية تتسابق لإضافة الذهب إلى احتياطاتها، لأنها تدرك أن العملات الورقية يمكن طباعتها بلا حدود، لكن الذهب محدود".
كما يظل الطلب الاستهلاكي قويًا في دول مثل الهند والصين، مدفوعًا بما يُعرف بـ"تجارة الحب"، أي ارتباط الذهب بالهدايا والمكانة الاجتماعية.
ويختم هولمز قائلا: "توقعت وصول الذهب إلى 4,000 دولار، ونحن على وشك ذلك... الآن أرى 7,000 دولار في الأفق. قد يبدو التوقع جريئًا، لكنه في بيئة الديون الحالية قد يكون الخيار الأكثر حكمة".
مستويات قياسية
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم، طارق الرفاعي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
"الذهب متجه إلى مستوى الأربعة آلاف دولار للأونصة أو حتى ما فوق ذلك".
"قد نشهد لاحقاً فترة تصحيح طبيعية، لكن الاتجاه العام يبقى صاعداً نحو هذا المستوى المذكور".
ويضيف: "هناك سببان رئيسيان وراء هذا الارتفاع القياسي؛ الأول هو استمرار البنوك المركزية حول العالم في شراء الذهب بكميات كبيرة، وهو توجه بدأ منذ أكثر من خمس سنوات وما زال مستمرًا حتى اليوم".
ويتابع: "أما السبب الثاني هو إقبال المستثمرين على الذهب كأداة للتحوط، إذ أصبح الاستثمار فيه خياراً استراتيجياً في ظل حالة عدم اليقين العالمية".
ويؤكد الرفاعي أن "عوائد الذهب خلال السنوات الثلاث الماضية كانت أعلى من كثير من الأصول الأخرى، وهو ما يعزز مكانته كملاذ آمن للمستثمرين".
وكانت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية قد نقلت عن كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي، جون ريد، قوله إن:
الخوف من تفويت الفرصة، أو ما يعرف بـ"فومو"، بدأ يتسلل إلى السوق، حيث تحاول صناديق التحوط التي كانت تفتقد في السابق تحرك أسعار الذهب الآن الدخول.
أكبر زيادة في صناديق الاستثمار المتداولة كانت في صناديق الاستثمار المتداولة الأكبر حجماً والأكثر سيولة والتي تفرض رسوماً أعلى، والتي يفضلها عادة المستثمرون المؤسسيون وليس المستثمرون الأفراد.
وقال بنك يو بي إس في مذكرة أمس الثلاثاء إنه يتوقع أن يرتفع سعر الذهب إلى 4200 دولار للأونصة بحلول منتصف العام 2026 في سيناريو الصعود، حسبما نقلت شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
ويميل الذهب، الذي يُنظر إليه باعتباره ملاذا آمنا في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، إلى تحقيق أداء جيد في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.
مؤسس Saratoga يتوقع بلوغ الذهب 5000 دولار قريبا
أكد ساندياغا أونو، مؤسس شركة Saratoga للاستثمار في حديث خاص لسكاي نيوز عربية أن الذهب أداة استراتيجية للتحوط ضد التضخم وحالات عدم اليقين العالمية، مشيراً إلى أن الذهب وصل إلى مستويات قياسية تاريخية وما زال أمامه مجال واسع لتحقيق المزيد من المكاسب.
كما رجح أن يشهد المعدن النفيس موجة صعود جديدة قد تدفعه إلى 5 آلاف دولار للأونصة خلال فترة مقبلة، مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي.