A
+A
-تشكل صناعة البطاريات ركيزة أساسية في التحول نحو الطاقة النظيفة والاقتصاد المستدام في الولايات المتحدة، حيث تلعب دوراً حيوياً في دعم السيارات الكهربائية والتقنيات المتجددة، غير أن هذه الصناعة الواعدة تواجه تحديات متزايدة تعيق مسار نموها وتطورها، لا سيما على صعيد السياسات الحكومية التي تؤثر بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج وسلاسل التوريد.
في هذا السياق، تشهد السياسات التجارية والضريبية التي اعتمدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب انعكاسات سلبية على صناعة البطاريات، خاصة من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من الصين، التي تهيمن على جزء كبير من مكونات هذه الصناعة الحيوية. هذه الإجراءات زادت من كلفة المواد الخام والمكونات، مما شكل عقبة أمام المصنعين الأمريكيين وحرمهم من القدرة على المنافسة العالمية بشكل فعّال.
ومع تعثر صناعة البطاريات، تواجه الولايات المتحدة خطر التأخر في تحقيق أهدافها البيئية والاقتصادية المتعلقة بالتحول إلى الطاقة النظيفة؛ ذلك أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى إضعاف جهود الابتكار والاستثمار في قطاع يشكل مستقبل الطاقة، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في إطار السياسات التجارية والضريبية لدعم نمو مستدام يتماشى مع الطموحات الوطنية في مجال الطاقة والتكنولوجيا.
يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن:
صناعة البطاريات بدأت في الإزدهار في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بعد أن قدم الكونغرس وإدارة بايدن للصناعة حوافز سخية.
لكن يبدو أن هذا الازدهار توقف الآن مع محاولة إدارة ترامب والمشرعين الجمهوريين تقييد وصول الصين إلى السوق الأميركية.
من ولاية كارولينا الجنوبية إلى ولاية واشنطن، تعمل الشركات على إبطاء عمليات البناء أو إعادة النظر في الاستثمارات الكبيرة في المصانع لإنتاج البطاريات القابلة لإعادة الشحن والمكونات اللازمة لصنعها.
السبب الرئيسي هو أن ارتفاع الحواجز التجارية بين الولايات المتحدة والصين يُفاقم العلاقات بين الموردين والعملاء في البلدين.
في الوقت نفسه، يسعى الجمهوريون إلى منع مُصنّعي البطاريات المرتبطين بالصين، وكذلك أولئك الذين يعتمدون على أي تكنولوجيا أو مواد صينية، من الاستفادة من الإعفاءات الضريبية الفيدرالية. كما يواجه هذا القطاع تراجعاً في سوق السيارات الكهربائية، وهو ما استهدفه الجمهوريون والرئيس ترامب.
ووفق التقرير، فستكون القيود المتعلقة بالصين - الواردة في نسخة مشروع قانون السياسة الداخلية للرئيس ترامب الذي أقره مجلس النواب - صعبة للغاية على العديد من الشركات للعمل في ظلها. وتُعدّ الصين أكبر مُصنّع للبطاريات في العالم، وتُصنّع جميع مكوناتها تقريباً.
يُسلّط مشروع قانون سياسة ترامب الضوء على معضلة صعبة. فالولايات المتحدة ترغب في إنشاء صناعة بطاريات محلية وتقليل اعتمادها على الصين بشكل كبير، ويرغب العديد من المشرعين الجمهوريين في إنهاء هذه الصناعة تمامًا. لكن الصين مُهيمن عليها بالفعل في هذه الصناعة، مما يجعل من الصعب للغاية على الولايات المتحدة أن تُصبح لاعبًا ذا قيمة دون التعاون مع الشركات الصينية.
ويقول الخبراء إن الولايات المتحدة، من أجل تنمية صناعة محلية، تحتاج إلى الاعتماد على المكونات والمعرفة الأجنبية أثناء بناء سلاسل التوريد والخبرة الخاصة بها، تمامًا كما فعلت الصين في صناعة السيارات.
وقد بدأت بعض الشركات بالانسحاب بالفعل. هذا الشهر، أوقفت شركة AESC لتصنيع البطاريات بناء مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية بقيمة 1.6 مليار دولار في ولاية كارولينا الجنوبية، مُشيرةً إلى "عدم اليقين في السياسات والسوق".
تحديات حقيقية
من جانبه، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
تواجه صناعة البطاريات في الولايات المتحدة تحديات حقيقية تهدد بإعاقة طموحات واشنطن للتحول إلى الطاقة النظيفة، في وقت تبدو فيه السياسات التجارية والضريبية التي يلوّح بها دونالد ترامب بمثابة عقبة رئيسية أمام هذا المسار.
تؤثر بشكل واسع الرسوم الجمركية على الصين التي يدفع بها الرئيس دونالد ترامب، ذلك أن بكين هي الدولة التي تسيطر فعلياً على جانب كبير من سلاسل الإمداد العالمية للمواد الخام الأساسية في صناعة البطاريات، مثل الليثيوم والكوبالت والغرافيت.
أكثر من 80 بالمئة من مكونات البطاريات على مستوى العالم تمر عبر الصين، ما يعني أن أي رسوم تُترجم مباشرة إلى ارتفاع حاد في التكاليف، وتهديد حقيقي لتنافسية المنتج الأميركي.
ويضيف: في الوقت ذاته، يدعو ترامب إلى تقليص أو إلغاء الإعفاءات الضريبية المتعلقة بالطاقة النظيفة، التي أُقرت ضمن قانون خفض التضخم الذي تبنّته إدارة بايدن، والذي خصص ما يزيد عن 30 مليار دولار لدعم صناعة البطاريات محلياً. وبدون هذه الحوافز، قد تتوقف استثمارات شركات كبرى مثل "تسلا" و"جنرال موتورز"، وهو ما حذّر منه تقرير صادر عن مجموعة "بلومبيرغ نيو إنرجي فاينانس"، متوقعاً أن يتراجع الاستثمار في القطاع بنسبة تصل إلى 40 بالمئة بحلول عام 2026 في حال حدوث تغيير في السياسات الفيدرالية الداعمة.
ويعتقد الخفاجي بأنه في ظل المنافسة المحتدمة مع الصين وأوروبا، فإن أي تراجع في الدعم المحلي للصناعة قد يفقد الولايات المتحدة مكانتها في السباق على تكنولوجيا المستقبل. وبينما يرفع ترامب شعار "أميركا أولًا"، يرى كثير من الخبراء أن هذا التوجه قد يضع أمن الطاقة الأميركي على المحك، مؤكدين أن لا مناص من التكامل الصناعي بين الدول لضمان الاستقرار والنمو في هذا القطاع الحيوي.
انتكاسة
يشير تقرير لـ UCS، وهي منظمة غير ربحية تركز على تعزيز السياسات العلمية المستندة إلى الأدلة في مجالات الطاقة والبيئة والسلامة العامة، إلى أن
الاستثمارات الأخيرة في صناعة البطاريات والمركبات الكهربائية في الولايات المتحدة الأميركية تُعدّ أساسيةً لبناء سلسلة توريد متينة ودعم نمو الوظائف.
تم ضخّ مليارات الدولارات في الاستثمارات نتيجة مجموعة متكاملة من السياسات الاستشرافية، مثل معايير المركبات التي وضعتها الولايات والحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى حوافز مُصممة خصيصًا لدعم صناعة البطاريات المحلية. إلى جانب ذلك، أدركت شركات السيارات أن مستقبل الصناعة يتجه نحو السيارات الكهربائية، كما زاد طلب المستهلكين على هذه المركبات بشكل ملحوظ.
لكن في حين يواصل بقية العالم دعم التزاماته المتعلقة بالانبعاثات الصفرية ويتسابق ليصبح جزءًا من اقتصاد السيارات الكهربائية، تعمل إدارة ترامب والكونغرس على تفكيك دعم الصناعة الأميركية في كل منعطف تقريباً.
اتخذ الكونغرس خطوة غير مسبوقة بإلغاء حق الولايات في وضع معايير تهدف إلى تسريع انتشار شاحنات الديزل النظيفة وسيارات الركاب الكهربائية والشاحنات الثقيلة، وهو الحق الذي مارسته الولايات لأكثر من 50 عاماً للحد من تلوث المركبات.
الآن، يسعى الكونغرس وإدارة ترامب عبر مشروع قانون تسوية الميزانية إلى إلغاء الحوافز الخاصة بتصنيع السيارات الكهربائية ودعم المستهلكين، بالإضافة إلى إلغاء المعايير الفيدرالية المتعلقة بكفاءة استهلاك الوقود وانبعاثات سيارات الركاب.
كما يخططون لفرض رسوم سنوية تصل إلى 250 دولارًا على السيارات الكهربائية، وهي رسوم تزيد بمعدل مرتين إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالضرائب التي يدفعها سائقو السيارات التي تعمل بالبنزين.
ووفق التقرير، فإن هذه الإجراءات لا تشكل انتكاسة كبيرة لنشر السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة فحسب، بل إنها ضربة قوية لإمدادات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية الناشئة في البلاد.
سياسات متعارضة مع الصناعة
استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"إنه منذ عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض فإن صناعة البطاريات في أميركا تعاني من جملة من التحديات، لا سيما وأن سياساته الاقتصادية والتجارية متعارضة مع الصناعة، لجهة ما تشكله من تأثيرات على سلاسل التوريد المحلية.
ويشير الإدريسي إلى عددٍ من العوامل الرئيسية التي تترجم تلك السياسات، وهي:
إلغاء الإعفاءات الضريبية الخضراء.
فرض رسوم جمركية أعلى، بما يرفع تكلفة المواد الخام الأساسية لصناعة البطاريات مثل الليثيوم والكوبالت.
الحمائية التجارية تهدد الشراكات العالمية، ذلك أن اعتماد الولايات المتحدة على التحالفات مع كوريا الجنوبية واليابان لتوطين صناعة البطاريات قد يتضرر، خصوصاً مع سياسة “أميركا أولًا”، ما يعقد نقل التكنولوجيا والاستثمارات المشتركة.
تشجيع الوقود الأحفوري بدلاً من السيارات الكهربائية.
ويستطرد: بالتالي، هذه السياسات تهدد بفقدان الآلاف من الوظائف الجديدة، وتراجع الاستثمارات في أحد أهم القطاعات المستقبلية.. وقد حذر كبار المستثمرين، مثل تحالف BlueGreen، من أن التحول المفاجئ في السياسات قد يؤدي إلى خسارة مئات المليارات من الدولارات المخطط ضخها حتى 2030.
ويختتم حديثه قائلاً: إن العودة إلى السياسات الحمائية وتقليص الحوافز الخضراء قد يؤديان إلى تراجع تنافسي كبير للولايات المتحدة أمام الصين والاتحاد الأوروبي في سباق البطاريات العالمي.